491
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
490

باب الصلاة في مسجد منى ومَن يجب عليه التقصير والتمام بمنى

أراد قدس سره بيان أمرين : أحدهما : استحباب فعل الصلوات أيّام منى في مسجد الخيف عند المنارة التي في وسطه، وفوقها من جهة القبلة نحواً من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وعن يسارها كذلك ، فإنّه حدّ المسجد الذي كان في عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله واستحباب ستّ ركعات في أصل الصومعة التي في المسجد على حذو حسنة معاوية بن عمّار ۱ وخبر عليّ بن أبي حمزة وقول الأصحاب . ۲
وثانيهما : تحتّم القصر على أهل مكّة بعد الخروج إلى عرفات إلى العود إليها ، فيدلّ على أنّ مسافة القصر أربعة فراسخ، وقد سبق في موضعه .

باب النفر من منى الأوّل والآخر

المشهور بين الأصحاب جواز النفر عن منى لمن اتّقى في النفر الأوّل، وهو اليوم الثاني من أيّام التشريق وإن كان صرورة إلّا أن تغرب الشمس عليه فيه وهو بمنى . ۳
والأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» ، ۴ واختلفوا في معنى الاتّقاء، والمشهور أنّه من الصيد والنساء في حال الإحرام، لخبر محمّد بن المستنير، ۵ وخبر حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى» : «الصيد في إحرامه، فإن أصابه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل »، ۶ وهذا الخبر هو الذي أشار إليه المصنّف بقوله : «وفي رواية اُخرى الصيد أيضا »، وذهب إليه ابن إدريس في باب النفر من منى حيث قال : «فإن كان ممّن أصاب النساء في إحرامه أو صيداً لم يجز له أن ينفر في النفر الأوّل، ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير ». ۷
وحكى في كنز العرفان ۸ عن بعض الأصحاب من غير أن يعيّن قائله أنّه الاتّقاء عن سائر محرّمات الإحرام ، وكأنّه أراد بمحرّمات الإحرام ما يحرم بسبب الإحرام وإن كان حرمته بعد الإحلال كترك المبيت بمنى فيكون إشارة إلى ما ذهب إليه ابن إدريس ۹ فيما حكينا عنه في باب من بات عن منى .
وقد نسبه [ إليه] الشهيد أيضا في الدروس، حيث قال في بحث المبيت : «ويضعّف منع ابن إدريس المبيت بمكّة للعبادة، وجعله الاتّقاء شاملاً لجميع المحرّمات غير مشهور ، بل هو مقصور على الصيد والنساء ». ۱۰
وربّما استدلّ لما ذهب إليه بما رواه الصدوق عن ابن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّه لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم اللّه عليه في إحرامه »، ۱۱ وهو مع عدم سلامة سنده لجهالة سلام يحتمل الحمل على استحباب النفر في الأخير لمن لم يكن متّقيا عن غير الصيد والنساء من باقي المحرّمات ، وقد سبق منّا في باب ما يحلّ للرجل من اللّباس والطيب إذا حلق نقلاً عن ابن الجنيد ۱۲ أنّه الاتّقاء عن الصيد فقط، لكن بعد النفر إلى النفر الأخير مستنداً بصحيح معاوية بن عمّار ۱۳ وخبر حمّاد، ۱۴ وقد تقدّما .
وقيل : المراد لمَن كان متّقيا قبل حجّه كما في قوله تعالى : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّه ُ مِنْ الْمُتَّقِينَ»۱۵ ، وإليه يشير خبر علي بن عطية، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لمَن اتّقى اللّه عزّ وجلّ ». ۱۶
ومثله خبر سفيان بن عيينة . ۱۷
وحكى في المختلف ۱۸ عن أبي الصلاح ۱۹ عدم جواز النفر في الأوّل مطلقا للصرورة ، ويظهر ممّا رويناه عن الشيخ في النهاية ۲۰ من وجوب الدم للمبيت عن منى في الليلة الثالثة أيضا من غير تقييد عدم جواز النفر في الأوّل مطلقا صرورة كانت أو غير صرورة، متّقيا كان أم لا .
وعلى المشهور إنّما يعتبر الاتّقاء من قتل الصيد وجماع النساء . ۲۱
وألحق بعضهم بهما مقدّماتهما وما يتعلّق بهما ، وكذا المعتبر الاتّقاء وعدمه في الحجّ على الأشهر .
وقوّى الشهيد الثاني في المسالك ۲۲ اعتباره في عمرة التمتّع أيضا، لارتباطها بالحجّ وكونها عبادة واحدة.
ولو غربت الشمس عليه في ذلك اليوم وهو بمنى وجب عليه المبيت في الليلة الثالثة أيضا ، والنفر في الأخير ، ولا يجوز له النفر بعد الغروب؛ لحسنة الحلبيّ، ۲۳ وخبر معاوية بن عمّار، ۲۴ وما رواه الشيخ عن عبداللّه بن مسكان، قال : حدّثني أبو بصير، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل ينفر في النفر الأوّل؟ قال : «له أن ينفر ما بينه وبين أن تصفرّ الشمس، فإن هو لم ينفر حتّى تكون عند غروبها فلا ينفر، وليبت بمنى حتّى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء ». ۲۵
واعلم أنّه ذكر الأصحاب أنّه إنّما يجوز النفر لمن ينفر في الأوّل بعد الزوال ، وأمّا في الأخير فيجوز له النفر بعد الرمي، أيّ وقت شاء ، والأفضل أن ينفر قبل الزوال . ۲۶
ويدلّ عليه صحيحة أبي أيّوب، ۲۷ وحسنة معاوية بن عمّار، ۲۸ وخبر أيّوب بن نوح، ۲۹ وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبيّ أنّه سئل عن الرجل ينفر في النفر الأوّل قبل أن تزول الشمس فقال : «لا ، ولكن يخرج ثَقَله إن شاء ولا يخرج هو حتّى تزول الشمس ». ۳۰
ولا يبعد القول باستحباب النفر بعد الزوال في الأوّل وجوازه قبله؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن درّاج، أنّه قال : «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثمّ يقيم بمكّة »، وقال : «كان أبي عليه السلام يقول : من شاء رمى الجمار ارتفاع النهار ثمّ ينفر »، قال : فقلت له : إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال : «من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس ، ومَن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأوّل ». ۳۱
وما رواه الشيخ عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل قبل الزوال ». ۳۲
ويؤيّدهما إطلاق خبر أبي بصير ۳۳ المتقدّم ؛ ولأنّ المقصود من الكون بمنى في هذه الأيّام رمي الجمار، فإذا رميت قبل الزوال جاز له النفر حينئذٍ ، وهذا الجمع هو أظهر ممّا ذكره الشيخ في كتابي الأخبار ، والعلّامة في المنتهى ۳۴ من حمل هذين على الاضطرار والحاجة .

1.الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۵، ص ۲۷۰، ح ۶۵۱۵.

2.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۷۵، المسألة ۶۹۱ ؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۷؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۶۱ ۲۶۲.

3.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۷۱، المسألة ۶۸۹ ؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۵؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۵۳ ۲۵۴.

4.البقرة (۲): ۲۰۳.

5.الحديث ۱۱ من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۹، ح ۱۹۱۹۵.

6.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۳، ح ۹۳۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۹، ح ۱۹۱۹۶.

7.السرائر، ج ۱، ص ۶۱۲ .

8.كنز العرفان، ج ۱، ص ۳۲۰.

9.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۴ ۶۰۵.

10.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۶۰، الدرس ۱۱۶.

11.الفقيه، ج ۲، ص ۴۸۰، ح ۳۰۱۷؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۸۰ ۲۸۱، ح ۱۹۲۰۱.

12.حكاه عنه الشهيد في الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۵۶، الدرس ۱۱۴.

13.وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۴ ۲۷۵، ح ۱۹۱۸۱، وص ۲۸۰، ح ۱۹۲۰۰.

14.وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۹ ۲۸۰، ح ۱۹۱۹۷.

15.المائدة(۵) : ۲۷ .

16.الفقيه، ج ۲، ص ۴۸۰، ح ۳۰۱۸؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۸۱، ح ۱۹۲۰۳.

17.الفقيه، ج ۲، ص ۴۸۰، ح ۳۰۲۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۸۱، ح ۱۹۲۰۶.

18.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۳۱۶.

19.الكافي في الفقه، ص ۱۹۸.

20.النهاية، ص ۲۶۶.

21.اُنظر: مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۳۰۷؛ تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۷۱، المسألة ۶۸۹ .

22.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۳۶۷.

23.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۷، ح ۱۹۱۹۱.

24.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۷ ۲۷۸، ح ۱۹۱۹۲.

25.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۲، ح ۹۳۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۸، ح ۱۹۱۹۴.

26.اُنظر: منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۵؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۵۰.

27.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۵، ح ۱۹۱۸۲.

28.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۴، ح ۱۹۱۸۱.

29.الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۸۲، ح ۱۹۲۰۸.

30.الفقيه، ج ۲، ص ۴۸۱، ح ۳۰۲۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۶، ح ۱۹۱۸۴.

31.الفقيه، ج ۲، ص ۴۸۱ ۴۸۲، ح ۳۰۲۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۴، ح ۱۹۱۸۰.

32.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۲، ح ۹۲۸؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۱، ح ۱۰۷۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۷، ح ۱۹۱۸۹.

33.وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۷۸، ح ۱۹۱۹۴.

34.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۶.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 172027
صفحه از 856
پرینت  ارسال به