387
شرح فروع الکافي ج5

باب من نسي رمي الجمار أو جهل

أجمع الأصحاب على وجوب قضاء ما فات من رمي يوم من أيّام التشريق نسيانا أو جهلاً في يوم آخر مع بقاء وقته، وهو أيّام التشريق، لما دلَّ عليه من أخبار الباب، وما رواه الشيخ عن بريد العجليّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم الثاني؟ قال : «فليرمها في اليوم الثالث لما فاته، ولا يجب عليه في يومه ». ۱
وظاهرهم وجوب تقديم الفائت على الحاضر، إلّا فيما تذكّر الفائت بعد رمي الحاضر ، وصرّح جماعة منهم المحقّق الشيخ عليّ قدس سره في تعليقاته على الإرشاد بذلك الوجوب . ۲
وفي المنتهى:
قال الشيخ رحمه الله : ۳ الترتيب واجب بين الفائت والحاضر، فيرمي ما فاته أوّلاً والذي ليومه بعده، فلو رمى الذي ليومه أوّلاً لم يقع الذي لأمسه؛ لعدم إرادته، ولا الذي ليومه؛ لسقوط الترتيب كما لو رمى الجمرة الثانية قبل الاُولى .
وللشافعيّ قولان، هذا أحدهما ، والثاني: أنّه سنّة . ۴
ثمّ احتجّ على الوجوب بوجوبه أداءً، فيكون في القضاء أيضا كذلك .
ويستحبّ الفصل بينهما بساعة أو ساعتين، كما يستفاد من بعض ما اُشير إليه من الأخبار ، ويؤكّده ما سيأتي من صحيحة معاوية بن عمّار . ۵
والأفضل أن يكون القضاء بكرة والأداء عند الزوال ؛ لخبر عبداللّه بن سنان الآتي .
وأجمعوا على ثبوت الحكم في رمي جمرة العقبة إن فات يوم النحر كذلك وفاقا لأكثر العامّة؛ لأنّه رمي فات وقته، وأيّام التشريق قابل لقضائه أيضا كرمي أيّام التشريق، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبداللّه بن سنان، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى، فعرض له عارض، فلم يرم الجمرة حتّى غابت الشمس، قال : «يرمي إذا أصبح مرّتين، مرّة لما فاته، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه»، ۶ والفرق بكون أحدهما بكرة وهو للأمس، والآخر عند زوال الشمس، وهو الذي رواه المصنّف قدس سره ۷ بأدنى نقصان .
وحكى في المنتهى ۸ عن الشافعيّ قولاً بعدم وجوب قضائه معلّلاً بأنّ أيّام التشريق لا تكون وقتا له؛ لأنّه يخالف الرمي في تلك الأيّام؛ إذ لا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة، بخلاف رمي أيّام التشريق فإنّه يتعلّق بالجمرات كلّها، فهو جنس آخر غير الرمي فيها، بخلاف من بعض تلك الأيّام مع بعض. ۹
وفيه ما فيه .
ومع انقضاء تلك الأيّام فقد حكم الأكثر بوجوب قضائه في القابل بنفسه أو بوكيله؛ ۱۰ لما رواه محمّد بن عمر بن يزيد، عن أبيه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن أغفل رمي الجمار أو بعضها حتّى يمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه، فإن لم يكن له وليّ استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا في أيّام التشريق ». ۱۱
وذهب المحقّق في النافع إلى سقوط وجوب القضاء حينئذٍ واستحبابه في القابل، حيث قال : «ولو نسي الرمي حتّى دخل مكّة رجع وتدارك ، ولو خرج فلا حرج ». ۱۲
والظاهر أنّه أراد بذلك ما لو خرج من مكّة وفات وقته بقرينة الخبر الذي يدلّ عليه وإن كان إطلاق كلامه شاملاً لما لو خرج وكان وقته باقيا بأن ينفر من منى ويخرج من مكّة في النفر الأوّل .
والخبر رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل نسي رمي الجمار؟ قال : «يرجع فيرميها »، قلت : فإنّه نسيها حتّى أتى مكّة؟ قال : «يرجع فيرمي متفرّقا ويفصل بين كلّ رميتين بساعة »، قلت : فإن نسي أو جهل حتّى فاته وخرج؟ قال : «ليس عليه أن يعيد ». ۱۳
ويأوّله الشيخ في الاستبصار على أنّ معناه: «أنّه ليس عليه أن يعيده في هذه السنة؛ لفوات وقته وإن كان يجب عليه إعادته في القابل ».
وفي المنتهى: وقال الشافعيّ : لا قضاء عليه إذا فاتت أيّام التشريق قولاً واحداً وماذا يجب عليه عنده، قولان: أحدهما: دم واحد، والثاني: أربعة دماء . ۱۴
هذا كلّه فيما إذا تركه نسيانا أو جهلاً ، وأمّا مع العمد فظاهر الأصحاب وفاقهم على وجوب قضائه في ذلك العام أو في القابل على التفصيل المذكور ، ولم أجد خبراً صريحا فيه ، بل بعض الأخبار تدلّ على فساد حجّه بذلك، رواه الشيخ عن يحيى بن المبارك، عن عبداللّه بن جبلة، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «مَن ترك رمي الجمار متعمدا لم تحلّ له النساء وعليه الحجّ من قابل »، ۱۵ لكن لم يعمل به أحد؛ لضعفه بجهالة يحيى ، ووقف عبداللّه وإن كان موثّقا . ۱۶
وفي الدروس : «ولم نقف على قائلٍ به من الأصحاب ، فيحمل على الندب » ۱۷ .
وحمله الشيخ أيضا في الاستبصار ۱۸ عليه، ولم يتعرّض الأكثر للندب أيضا وكأنّهم طرحوا الخبر لما ذكر ولوقوع التحلّل من المحرمات بعد طواف النساء بمقتضى النصوص، فعود التحريم بمجرّد ترك الرمي بعيد غاية البُعد بحيث لا يجوز والقول به وجوبا أو ندبا بمثل هذا الخبر .

1.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۳، ح ۸۹۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۷۳، ح ۱۸۶۲۳.

2.لم أعثر عليها.

3.الخلاف، ج ۲، ص ۳۵۳، المسألة ۱۸۱، و ص۳۵۶، المسألة ۱۸۵؛ المبسوط، ج ۱، ص ۳۷۹.

4.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۴. وانظر: الخلاف، ج ۲، ص ۳۵۳ ۳۵۴، المسألة ۱۸۱؛ المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۳۵ ۲۳۶ و ۲۴۱؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۴۰۲ و ۴۰۵ ۴۰۸؛ المبسوط للسرخسي، ج ۴، ص ۶۴ ۶۶ ؛ تفسير القرطبي، ج ۳، ص ۶ .

5.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۴، ح ۸۹۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۶۲، ح ۱۹۱۴۹.

6.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۲۶۲، ح ۸۹۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۷۲ ۷۳، ح ۱۸۶۲۱.

7.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

8.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۴.

9.المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۳۶؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۴۰۴.

10.تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۶۸؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۳۷ ۲۳۸.

11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۴، ح ۹۰۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷، ح ۱۰۶۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۶۲، ح ۱۹۱۵۰.

12.المختصر النافع، ص ۹۷.

13.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۴، ح ۸۹۹ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷، ح ۱۰۵۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۶۲، ح ۱۹۱۴۹.

14.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۴. وانظر: المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۴۱؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۴۰۲؛ الخلاف، ج ۲، ص ۳۵۸، المسألة ۱۸۹.

15.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۴ ۲۶۵، ح ۹۰۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷، ح ۱۰۶۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۶۴، ح ۱۸۱۵۵.

16.رجال النجاشي، ص ۲۱۶، الرقم ۵۶۳ ؛ إيضاح الاشتباه، ص ۲۰۹، الرقم ۳۴۸.

17.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۳۵، الدرس ۱۱۰.

18.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷ ۲۹۸، ذيل الحديث ۱۰۶۱.


شرح فروع الکافي ج5
386
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 172298
صفحه از 856
پرینت  ارسال به