منتخبات نسمات الأسحار - الصفحه 263

إليهم فإذا هم كأمثال الجبال من الحديد، فقال: أيَقتل هؤلاء بعضهم بعضاً في ملك من ملك الأرض الفانية لا حاجة لي به؟! فأرسل إلى معاوية ۱ يبذل له في تسليم الأمر إليه، لا مِن قلّة ولا من ذلة، على أن تكون له الخلافة من بعده، وأن يقضي عنه ديونه، وأن لايطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيءٍ ممّا كان في أيام أبيه، فأجابه ۲ معاوية إلى جميع ذلك، وظهرت المعجزة النبوية بذلك (ه : هي قوله صلى الله عليه و آله : إن ابني هذا سيّد، لعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، كما تقدم ذلك) ، ونزل عن الخلافة على تلك الشروط.
قال ابن بطال: ولم يف له معاوية بشيءٍ مما التزمه. ۳
ولمّا نزل عنها كان أصحابه يقولون له: يا عار المؤمنين! فيقول لهم: العار خير من النار.۴
وقال له رجل: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين! فقال: لست بمذلّهم، ولكني كرهت أن أقتلهم على ملك زائل.۵ وأتاه رجل فقال: يا مسوّد وجوه المؤمنين، فقال: لا تؤنّبني؛ فإنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأى بني اُمية يخطبون على منبره رجلاً رجلاً فساءه ذلك.۶

1.بل معاوية هو الذي أرسل إليه بعد ما حمل عليه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري وكان على رأس جيش الإمام الحسن، وذكّره بهجومه هذا أيام صفين ومواقف الأنصار والمهاجرين مع عليّ فيها؛ فراجع تاريخ الطبري و أنساب الأشراف وغيرهما.

2.أجابه أوّلاً، ثمّ بعد ما استتبّ له الأمر نقض العهد كما سيأتي، والكلام هنا كله للمناوي في طبقات الصوفية، ج ۱، ص ۱۳۸.

3.وهذا شأن الغادرين والناكثين والمبطلين، وربما كان من أسباب الموادعة هو إتاحة الفرصة للناس حتّى يتبين لهم الحق من الباطل أكثر فأكثر؛ قال البلاذري في أنساب الأشراف ، ح ۵۴: قالوا: ثمّ قام معاوية فخطب الناس فقال: ألا إنّي كنت شرطت في الفتنة شروطاً أردت بها الاُلفة [بل الإمرة] ووضع الحرب، ألا وإنّها تحت قدمي.

4.تاريخ مدينة دمشق، ح ۲۹۱؛ طبقات الصوفية ، ج ۱، ص ۱۳۹؛ ويقصد بالعار هو عار الدنيا، وبالنار نار جهنم، ومثله قاله شقيقه الحسين عليه السلام حينما برز إلى القتال: الموت خير من ركوب العار والعار خير من دخول النار

5.وذلك أنّ معظم قوات الجيشين كان لا يهمّهم إلّا الدنيا، ولايمكن طلب الحق من طريقهم. والمصدر هنا طبقات الصوفية ، ج ۱، ص ۱۳۹.

6.رواه الثعلبي وابن عساكر والحاكم والترمذي والمناوي وغيرهم مع مغايرات. وقال ابن عساكر أيضاً: أتى مالك بن ضمرة فقال: السلام عليك يا مسخّم وجوه المؤمنين! قال: يا مالك، لا تقل ذلك؛ إنّي لمّا رأيت الناس تركوا ذلك إلّا أهله خشيت أن تُجْتَثّوا عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع. من ترجمة الإمام الحسن ، ح ۳۲۹ .

الصفحه من 302