19
الزّهد

مشايخها الأجلاّء. فقد أضحى أبرز وأكبر تلاميذه ـ وهو أحمد بن محمّد بن عيسى ـ شيخَ القمّيّين وفقيهَ قُمّ المبرّز، حيث وصفه الذهبي بما يلي: «شيخ الرافضة بقمّ، له تصانيف وشهرة كان في حدود الثلاثمائة». ولابدّ من الإشارة طبعاً إلى أنّ معظم كتب الحُسَين بن سعيد قد نشرها تلميذه هذا؛ أي أحمد بن محمّد بن عيسى.
ومن مشاهير قُمّ الآخرين الذين حظوا بمنقبة التلمّذ على يد الحُسَين بن سعيد نذكر: إبراهيم بن هاشم، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، والحُسَين بن الحسن بن أبان، وسعد بن عبداللّه .
ويمكن القول بناء على ما ذُكر بأنّ الحُسَين بن سعيد كان من الأفراد المعدودين الذين عايشوا كلتا المدرستين الحديثيّتين: الكوفيّة والقمّيّة.

1 / 6 . رحلاته وأسفاره

كان المحدّثون والعلماء الجادّون يقطعون الفيافَيَ، ويسافرون إلى مختلف الحواضر العلميّة، ويتحمّلون مشقّاتِ السفر وأتعابَه من أجل كسب المزيد من العلم وسماع الأحاديث.
وكان هذا هو دأبَ الكثير من المفكّرين والعلماء الشيعة وأهل السُنّة في الماضي والحاضر على حدٍّ سواء. وهكذا، فقد مكث الحسين بن سعيد وأخوه في الكوفة طالما كانت المجالس والمحافل العلميّة مزدهرة فيها. ولكن من بعد ذلك شهد كلا الأخوين رحال السفر إلى الأهواز لغرض التعليم والتربية. وبعد مدّة من الحضور العلمي في هذا البلد وتربية علماء وتلاميذ متميّزين من أمثال عليّ بن مهزيار، هاجر الحسين بن سعيد إلى قمَّ، ونزل فيها في دار عالمها الكبير «الحسن بن أبان».
ومن المحدّثين الكبار الذين سمعوا منه الحديث في قمَّ إبراهيم بن هاشم، وأحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن عيسى، والحسين بن الحسن بن أبان، وسعد بن عبد اللّه، وغيرهم.
ويُفهم من خلال تنوّع أساتذته بأنّه كانت له رحلات وأسفار أكثر من الرحلتين


الزّهد
18

كما يُحتمل أيضاً أن يكون سبب رحيل الحُسَين بن سعيد وأخيه عنها، هو ظهورَ تيّارات منحرفة بين قسمٍ من مُحدّثيها كظهور فِرق الغُلاة، وما تلا ذلك من ظهور فِرق الواقفيّة.
لا تتوفّر معلومات عن مدّة إقامة الحُسَين وأخيه في الأهواز. وهُما إن لم يكونا من أهالي هذه المدينة أصلاً، يبقى ثمّة سؤال عالق في الأذهان، وهو: لماذا قصدا هذه المدينة دون سواها؟ ولعلّ سبب ذلك هو أنّ الأهواز كانت آنذاك أقرب مدينة شيعيّة إلى الكوفة.
وعلى صعيد آخر إنْ لم يكن أصلهما من الأهواز، فلابدّ أنّهما قَطَناها مدّة طويلة، والدليل على ذلك شهرتهما باسم الأهوازيَّيْن.
وعلى أيّة حال، فإنّ الحُسَين بن سعيد قد سافر في السنوات الأخيرة من عمره إلى مدينة «قُمَّ» التي كانت على الدوام أهمَّ قاعدة للشيعة ؛ إذ تزخر كتب التاريخ والحديث بالكثير من الشواهد الدالّة على شدّة ولاء القُمّيين لأهل البيت عليهم السلام ، وثناء أهل البيت على قُمَّ والقُمّيين. كما أنّ هجرة رواة كوفيين آخرين إليها ـ من أمثال إبراهيم بن هاشم والحُسَين بن سعيد ـ ربّما يُعَدّ مؤشّراً دالاًّ على تطوّر أوضاع هذه المدينة وتحوّلها إلى حاضرة من الحواضر العلميّة.
منذ مطلع السنوات الاُولى من القرن الثاني برز محدّثون كثيرون من قُمَّ. وعُرفت هذه المدينة ابتداءً من النصف الأوّل من القرن الثالث كواحدة من المراكز المشهورة بعلم الحديث. فهناك محدّثون مشهورون ورواة كبار قصدوا هذه المدينة من بلدان اُخرى وثووا فيها، واستقوا مِن علوم مَن كان فيها من مشايخ الحديث.
وفي ضوء ما سبق ذكره يمكن اعتبار الحُسَين بن سعيد من مؤسّسي المدرسة الحديثيّة في قُمَّ؛ إذ غدا جميع تلاميذه لاحقاً من الوجوه المهمّة في قُمّ، أو من

  • نام منبع :
    الزّهد
    المساعدون :
    غلامعلی، مهدی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 39736
الصفحه من 236
طباعه  ارسل الي