721
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

ذلك كلّه ، لو لم تكن إلّا هذه الكلمات المنيفة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله في إضاءة هذا الجانب من شخصيّة عليّ لكفاه كي يتبوّأ أرقى مواقع هذا الخطّ ، ويحلّق في أقصى ذُرى المعنويّة ، حيث يقول فيه النبيّ : «عَلِيٌّ خَيرُ البَشَرِ» وقوله : «خَيرُ مَن أترُكُ بَعدي» .
تدلّ هذه الكلمات النبويّة السامقة على أنّ عليّا هو الأفضل بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو الأكمل ، وهو الشخصيّة التي لا يرقى إليها نظير . وهذه الفضيلة في الحقيقة هي اُمّ فضائل الإمام ، وهي رأسها جميعا .
عليٌّ زوج الزهراء البتول ، ولو لم يكن كذلك لما كان لها كفؤ ، وهذه آية التطهير تشهد لعليّ بالطهارة والفلاح . لكنّ لعليّ فوق ذلك فضيلة تسموا على الطهارة والعصمة ، التي راح يفخر بها ملائكة اللّه المقرّبون وكرامه الكاتبون ، واستوجبت رضا اللّه المطلق ، ورضا رسوله وأمين الوحي الإلهي عنه ؛ تلك هي سلوكه إلى اللّه ، ومراحل تقرّبه إليه ، وبلوغه المقصد الأعلى للإنسانيّة ، والحظّ الأوفى من الكمال ، حتى كان من ذلك في الذروة القصوى ، بحيث عُدّ ذكره والنظر إليه عبادة للّه المتعال .

ط ـ المنزلة الاُخرويّة

حينما بُعث رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، واُبلغ الأمر بالرسالة ، واُرسل الى هداية الاُمّة والناس كافّة ، كانت أوّل يد شدّت على يديه الشريفتين هي يد عليّ ، وعلى هذا يمضي الأمر يوم القيامة ، إذ تكون أوّل يد تصافح يد النبيّ ، وأوّل كفّ توضع بكفّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله هي كفّ عليّ .
وكفّ عليّ هذه هي التي تحمل «لواء الحمد» راية رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عرصات القيامة .
وعليٌّ أوّل وارد على «الكوثر» ، وهو خليفة النبيّ عليه .
وفي الآخرة يتألّق اسم عليّ بلقب «سيّد الشهداء» و «أبي الشهداء» . ولن يمضي


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
720

في صفحات هذه المجموعة .
إنّ العناوين والأوصاف التي اختارها رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعليّ جاءت بأجمعها هادفةً موحيةً . فما جاء على لسان النبيّ في صفة عليّ من أنّه «حبل اللّه المتين» ، «عمود الدين» ، «يعسوب المؤمنين» ، «راية الهدى» ، «مدينة الهدى» ، «الصدّيق الأكبر» ، «الفاروق الأعظم» و «وليّ كلّ مؤمن بعدي» يكفي كلّ واحد منها ليخطّ للإمام الموقع الأفضل والمكانة الأسمى .
أمّا ما جاء عن النبيّ من مضامين مفادها : أفلح من اتّبعك ، وضلّ عن السبيل من حادَ عنك ، وليس من سبيل للمؤمنين إلى معرفتي أقوم منك ، ولولاك ما عرفني مؤمن ، ففيه دلالة على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يفكّر من خلال هذه المقولات بأهمّ ما يشغله ، متمثّلاً بهداية الاُمّة واستقامتها على طريق الحقّ ؛ يترسّم لذلك العلاج ويحدّد لها الطريق ، لكي تهتدي الاُمّة بذلك ، وتعثر على سبيل الجنّة وتنأى عن النار المحرقة .
لقد أخذت مهمّة إبراز هذه الحقائق وإشاعة هذه التعاليم المنقذة على النبيّ حياته كلّها ، بحيث لم يغفل رسول اللّه صلى الله عليه و آله لحظة واحدة عن هذه الرؤية المستقبليّة ، والتطلّع إلى ما وراء الحاضر ، والتوجيه من أجل غدٍ مطمئنّ وضّاح .

ح ـ عليٌّ عليه السلام من حيث المقامات المعنويّة

ينظرُ عليٌّ إلى ما وراء هذه الدنيا كنظرته إلى هذه الدنيا ، وإنّ الحقائق العلويّة وعالم الملكوت واضح لديه وضوح ما بين يديه ؛ والأمر بعد ذلك كما يقول : «لَو كُشِفَ الغِطاءُ مَا ازدَدتُ يَقينا» .
إنّ التأمّل في تمام الأبعاد الشامخة المتطاولة لهذه الشخصيّة يكشف عن رُقيّ مركزها المعنوي ، والموقع الذي يحظى به الإمام على قمم المعنويّة وذُراها . ومع

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 273655
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي