303
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

لم يكن سهلاً على الإمام أمير المؤمنين أن يواجه بشكل مباشر وفوري الإرث الثقافي الَّذي تطبّع عليه النّاس واعتادوه خلال ربع قرن من الزمان ؛ لأنّ هذه العمليّة ـ لو تمّت ـ كانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه ، وتستتبع اختلاف الاُمّة . لذلك كلّه ترك الإمام موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلى فرصةٍ مؤاتية .
أجل ، لقد انطلق الإمام عليّ عليه السلام ببرنامجه الإصلاحي الدقيق والمدروس ، لإعادة المجتمع الإسلامي إلى سيرة النبيّ وسنّته ، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإداري والاقتصادي . ثمّ ظلَّ وفياً لهذا النهج حَتّى آخر لحظات حياته ، حيث لم يتراجع في أحلك الأوضاع السياسيّة الَّتي مرَّت ، ولم يتوانَ في بذل أقصى جهوده من أجل استكمال هذا المشروع ، وإيجاد المجتمع القائم على أساس القيم والأهداف الإسلاميّة الأصيلة .
إنّ ما سنبيّن عليه في هذا الجزء من المنتخب هو بيان أهمّ اُصول حركة الإصلاح العلوي ، وأبرز مرتكزاتها في مضمار الإصلاح الإداري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والقضائي ، والأمني ، والعسكري ، وذلك من خلال الاستناد إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة .
ثمّ نصير بعدئذٍ إلى استخلاص رؤى الإمام في مجال السياسات الَّتي تُفضي على المستوى الدولي إلى ثبات الدول أو سقوطها ، وبيان ما يكون منها مؤثّراً على صعيد العلاقة الإيجابيّة بين الدول بعضها ببعض . وأخيراً ننتقل إلى عرض نصوص سياسات الإمام ومصادرها .
أما التوفّر على شرح وافٍ لمرتكزات سياسة الإمام فهي عمليّة تحتاج إلى فرصة اُخرى .


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
302

أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حكم عليّ عليه السلام ليست شعاراً وحسب ، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه ، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام ، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك ، فما كان من ابن أبي رافع إلّا أن رفع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة ، ليس هذا وحسب ، بل أعلن بجزم عن إدامة النهج الإصلاحي ، وهو يقول : «وَاللّهِ إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ» .
من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام ! والَّذي يبعث على التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين ؛ الأوّل : أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم الَّتي كانوا جنوها على عهد عثمان ، والثاني : أن يقتصّ من قتلة عثمان .
لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء ، بيدَ أنه لم يُذعن إلى أيٍّ من هذين الشرطين ، وواجه ـ بحزم وصلابة ـ الاقتراحات التساوميّة .

سياسة الإصلاح الثقافي

لقد كانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة النّاس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري على عهد عثمان . على هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولى لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات الَّتي تترتّب عليها ، والمشكلات الَّتي تؤدّي إليها . على عكس حركة الإصلاح الثقافي الَّتي لم يكن الشروع الفوري بها ممكناً ، بل كانت تحتاج إلى زمان حَتّى يستقرّ حكم الإمام . ولذلك كان عليه السلام يقول في هذا المضمار : «لَوِ استَوَت قَدَمايَ مِن هذِهِ المَداحِضِ لَغَيَّرتُ أشياءَ» .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 273702
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي