195
منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام

النبأ المرتقب ، حملت المسلمين على موج من التطلّع والشوق لنبيّهم ، والى أن يستفيدوا ويتعلّموا ويزدادوا من معلّمهم العظيم ما واتتهم الفرصة المتبقّية لذلك .
والنبيّ أيضاً هاجت به أشواقه ، وفاضَ به حماسه الطهور لهذا الحضور المتألّق بين أفواج المسلمين في هذا الموكب المهيب ، وبانتظار تبليغ كلمة هي آخر كلمات السماء وأهمّها على الإطلاق ، وإيصال رسالة هي الأكمل والأخطر .
حماس عارم من الاُمّة ، وترقّب نبويّ يشوبه التوجّس لنبأ عظيم حانت لحظته أو كادت . هذا هو المشهد الذي انتهت إليه حَجَّة الوداع .
المسلمون يعودون بعد انتهاء الموسم ، يسلك كلّ فريق السبيل الذي يؤدّي به إلى أهله وسكناه ، لكن في وادي غدير خمّ ، وقبل أن تفترق بهم الطريق إذا صوت السماء يقرع فؤاد النبيّ ، وإذا الوحي يأتيه من فوره ، ملقياً عليه الأمر بجزم : «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» .
التأمّل في سياق الآية وما فيها من شدّة وتصميم على الإبلاغ ، وما تنطوي عليه من تحذير جادّ ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ الرسالة هي من الخطورة بمكان ، وإنّ عمليّة الإبلاغ تقترن بالتوجّس نظراً لمحتوى الرسالة وملابسات الموقف .
فيا تُرى ، ما هو الأمر الذي يتحتّم على النبيّ صلى الله عليه و آله أن يبادر إلى إبلاغه ؟ وما هي الرسالة التي يبعث إبلاغها في نفس النبيّ صلى الله عليه و آله كلّ هذه الخشية والتوجّس ، وهو الصلب الذي تحمّل ما تحمّل في سبيل تبليغ كلمات اللّه ورسالاته ولم يبالِ ، وذو العزم الراسخ في سبيل إعلان الحقّ وتوسيع مداه ، وهو الطود الشامخ الذي واجه الشرك وحده ؟
أطبقت كلمة أعلام الشيعة محدّثين ومفسّرين ومؤرّخين ومتكلّمين ـ ودون أدنى شائبة تردّد ـ أنّ الآية مرتبطة بواقعة يوم «الغدير» ، وأنّ محتوى الرسالة وفحواها


منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
194

بحث حول آية التبليغ

«يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَـفِرِينَ» . ۱
قصد رسول اللّه صلى الله عليه و آله الحجّ في العام العاشر من الهجرة . وقبل أن ينطلق تلقاء «الحرم الإلهي» أمر النبيّ صلى الله عليه و آله أن يُخبروا الجميعَ بعزمه على الحجّ ، فتطلّع المسلمون إلى البيت العتيق واجتمعوا للحجّ من كلّ فجّ عميق ، فاحتشد منهم جمع عظيم .
خطب النبيّ الأقدس صلى الله عليه و آله الناس مرّات في ذلك الموسم المهيب ، ثمّ راح في خطبته الطويلة يوم «عرفة» يهاجم آخر بقايا الثقافة الجاهليّة ، وَيَلقي بما تبقّى من معاييرها في قاعٍ سحيق ، وهو يدعو الناس إلى الثبات على الحقّ ، وبناء حياتهم وفق المعايير الإلهيّة وقِيَم السماء . كما أهاب بهم التمسّك بكتاب اللّه وسنّة العترة النبويّة المطهّرة .
في ذلك السفر عاد النبيّ صلى الله عليه و آله يؤكّد ما سبق أن أعلنه للاُمّة في ذلك العام بالكناية والتلميح تارة ، وبصراحة ووضوح تارة اُخرى ، من أنّ هذه السنة التي يُمضيها بينهم هي آخر سنيّ عمره الشريف .
لهب متأجّج راح يسكن النفوس ، ولوعة متفجّعة راحت تتدافع في الصدور لهذا

1.المائدة : ۶۷ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    المساعدون :
    غلامعلي، مهدي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1388
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 279366
الصفحه من 987
طباعه  ارسل الي