الحديث الثامن والعشرون
۰.عن أنس بن مالك قال :كنّا في مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم والجماعة يذكرون الشجعان والأبطالِ وضرْبَهم وطعْنَهم حتّى وصلوا إلى ذكر أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فقالوا : لا يُذكَر مع علي شجاع ، فقال بعض العرب : لو رأيتم عمارة النخعي بالنخع وشجاعته! مقبل إلى ألف فارس بطل ، تقع جرأته وهيبته في قلوبهم!
فقام علي عليه السلام وقال : «يا رسول اللّه ، أسألك أن تأذن لي أن أمضي وأُبصره ، لعلّ اللّه أن يهديه إلى الإسلام» فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «يا عليّ ، إنّها طريق فَرْعة مسبعة» فقعد . ثمّ قام ثانية وقال : «يا رسول اللّه ، أسألك أن تأذن لي أن أمضي» فأذن له .
فقام أبو بكر الصدّيق وقال : اِيذن لي يا رسول اللّه أن أمضي مع عليّ فإنّي أعرف الطريق، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «جزاك اللّه يا أبا بكر خيرا» .
فخرجا إلى أن وصلا النخع ، فقال أبو بكر : هذه الشجرة التي يقعد عمارة عندها ، وهي شجرة يظلّ تحتها كثير من الناس ، فجلسا .
وأقبل عمارة فسلّم على أبي بكر ونظر إلى وجه عليٍّ فقال : يا بن أبي قحافة ، قطعك عنّي الصابي الكذّاب؟! فقال : قل : النبيّ العربيّ الهاشميّ . فقال عمارة : وأرى هذا الفتى النجابة بين عينيه ، قال : هذا ابن عمّ رسول اللّه ؛ عليّ بن أبي طالب ، جاء حتّى ينظرَ شجاعتك . فقال : كَبرَت سنّي ودقّ عظمي ، ومضت عليَّ التسعون ، ثمّ عمد إلى ناقة فشدّ يديها ورجليها وأخذها في وسط كفّه ، فقال : أحسنت! عندك أكثر من هذا؟ فغضب عمارة وأخذ أغصان الشجرة كلّ غصن لا يحمله رجُلان ، فكسرها بيده ورمى بها حتى بقيت عريانة .
فقال عليّ عليه السلام : «أحسنت! فهل عندك غير هذا شيءٌ؟» فقال عمارة : وما يكون غير هذا؟ قال : «نعم ـ قال : ـ تقلع ساق الشجرة ما لا ينقطع لها عرق» فقال عمارة : ومن
يقدر على ذلك؟ فقال: «أنا» فقال : إن فعلت ذلك فأنا عبدك، قال : «بل تؤمن بربّي وبوحدانيّته وحده لا شريك له ، وبنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله وسلم».
فقال عمارة : يا صاحباه! فحضر أهل النخع ، فقال أبو بكر : فكنتُ أرعد وأفزع ، فرفع عليّ يده إلى أن بدا بياض إبطيه ، ودمدم بين شفتيه ورفع الشجرة فقلعها ولم ينقطع لها عرق ؛ كما تُسَلّ الشعرة من العجين ، فلهذا سمّي قالع الشجرة .