المختلفة وأحكام فروعها ، وكان له تلامذة آخرون كثيرون غيري ، وكان يحضر مجلس درسه يوميّا ما يقرب من أربعمئة أو خمسمئة ، شخص ، وكان يزدحم في مجلس درسه من الراهبات اللواتي رغبن عن الدنيا ونذرن عدم التزوّج وكنّ يعتكفن في الكنيسة حشد كبير ، وكان يصطلح عليهنّ عند النصارى اسم «ربّانتا» .
ولكنّه كان يغمرني من بين جميع التلامذة بألفة ومحبّة خاصّة ، وكان قد أوكل إليّ مفاتيح مسكنه وخزائن مأكله ومشربه ولم يكن قد استثنى من ذلك سوى مفتاح بيت صغير كان بمنزلة خزانة البيت ، فكنت أتصوّر أنّها خزانة أموال القسيس ، ولذلك قلت في نفسي : إنّ القسيس من أهل الدنيا ، وكنت أقول في نفسي : ترك الدنيا للدنيا ، ۱ وهو يظهر الزهد لتحصيل زخارف الدنيا ، وهكذا كنت ملازما للقسيس على النحو المذكور منشغلاً بتحصيل عقائد الملل المختلفة ومذاهب النصارى ، حتّى بلغ عمري السابعة عشرة أو الثامنة عشرة .
وفي هذه الأثناء حدثت عارضة للقسيس ومرض وتخلّف عن مجلس الدرس ، فقال لي : بنيّ الروحي ، قل للتلامذة إنّ حالي لا تساعد على الدرس هذا اليوم .
فارقليطا
فخرجت من عند القسيس ورأيت التلامذة وهم يتذاكرون في مسائل العلوم ، وانجرّت مذاكرتهم إلى الاختلاف بشأن معنى «فارقليطا» في السريانية و «بيرقلوطوس» في اليونانية ، والّذي نقل يوحنّا صاحب الإنجيل الرابع مجيئه عن عيسى عليه السلام في الباب 14 و 15 و 16 ، حيث قال عليه السلام : سوف يجيء فارقليطا بعدي . ۲
فاتّسع حوارهم في هذا المجال وطال جدالهم وارتفعت الأصوات وقست ، فكان لكلّ شخص رأي مستقلّ في هذا الباب حتّى انتهى نقاشهم في هذه المسألة دون جدوى وتفرّقوا ، فرجعت إلى القسيس ، فقال لي : بنّي الروحي ، بماذا كانوا يتباحثون ويتحاورون اليوم في حال غيابي ؟ فحكيت له اختلاف القوم في معنى كلمة «فارقليطا» ، وشرحت له أقوال كلّ واحد من التلامذة في هذا الباب ، فسألني : وماذا كان قولك في هذا الموضوع ؟،