55
شهر الله في الكتاب و السنّة

« إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجُوعِ ».۱
فهذا الحديث يدلّ بوضوح على أنَّ الصوم يمنع سلطة الشيطان عن الإنسان على نحو طبيعي .
إنَّ السلسلة الّتي ينطوي عليها الصوم لا تقتصر على تصفيد الشيطان وحدَه ، بل تتخطّى ذلك إلى احتواء نوازع النفس الأمّارة وإلى أسرها ، ممّا يؤدّي إلى ردع سلطتها على الإنسان ، وكما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :
« نِعمَ العَونُ عَلى أسرِ النَّفسِ وكَسرِ عادَتِهَا التَّجَوُّعُ » .۲
على هذا الأساس ، فإنَّ جميع الروايات الّتي جاءت تمتدح الجوع وتثني على دوره في بناء النفس وتربيتها ، إنّما تهدف بالحقيقة إلى إيجاد المانع الطبيعي الّذي يصدّ سلطة الشيطان على الإنسان ويحصنه من نوازع النفس الأمّارة وإغواءاتها ، كما تهدف أيضا تحرير قواه العقلية وإطلاق قابليّاته الإنسانية ، على ما يبدو ذلك واضحا من النموذجين الروائيين التاليين اللذين اخترناهما من بين هذا النمط من الروايات ۳ : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
« جاهِدوا أنفُسَكُم بِالجُوعِ وَالعَطَشِ ، فَإِنَّ الأجرَ في ذلِكَ كَأَجرِ المُجاهِدِ في سَبيلِ اللّهِ » .۴
وعنه صلى الله عليه و آله أيضا :

1.إحياء علوم الدين : ۱ / ۳۴۷ ؛ المحجّة البيضاء : ۵ / ۱۴۸ ، عوالي اللئالي : ۱ / ۲۷۳ / ۹۷ و ص ۳۲۵ / ۶۶ ، بحار الأنوار : ۷۰ / ۴۲ . أقول : قد ورد هذا الحديث من دون قوله : « فضيّقوا مجاريه بالجوع» في المصادر التالية : صحيح البخاري : ۶ / ۲۶۲۴ / ۶۷۵۰ ، سنن ابن ماجة : ۱ / ۵۶۶ / ۱۷۷۹ ، مسند ابن حنبل : ۴ / ۳۱۳ / ۱۲۵۹۳ و ص ۵۶۸ / ۱۴۰۴۴ ، سنن الدارمي : ۲ / ۷۷۶ / ۲۶۸۰ .

2.عيون الحكم والمواعظ : ۴۹۴ ، غرر الحكم : ۹۹۴۴ وفيه « أشر» بدل « أسر» .

3.للاطلاع على المزيد من هذه الروايات ، انظر : بركات ضيافة اللّه / الحكمة ص ۸۸ والتقرّب إلى اللّه ص ۸۸ ، وص ۸۹ ، ح ۱۷۶ و ۱۷۷ والفوز بالجنة ص ۹۳ ، ح ۱۹۹ و ح ۲۰۲ .

4.إحياء علوم الدين : ۳ / ۱۲۴ ؛ المحجّة البيضاء : ۵ / ۱۴۶ .


شهر الله في الكتاب و السنّة
54

بالحرّية والقدرة على الاختيار ، لكنها تسيء استخدام حرّيتها لإغواء الإنسان وخداعه عن طريق تزويق الممارسات القبيحة وإضفاء صورة جميلة عليها ، ومن خلال تهييجه وإثارة نوازعه غير المشروعة .
أمّا الحكمة من وراء هذا الدور الإغوائي الّذي تلعبه الشياطين في نظام الخليقة ، فتكمن في تفتّق المواهب الإنسانية الكامنة وتربية الإنسان الكامل وإعداده في ظلّ المقاومة الّتي يبديها إزاء هذه المزالق والإغراءات ، أمّا ثغور سلطة الشياطين على الإنسان فهي لا تتعدّى نطاق الإثارة والوسوسة ، ومن ثَمَّ فهي تدعوه إلى القبائح ، بَيدَ أنّ قدرتها لا تمتد لإجباره على اقترافها . ۱
على ضوء هذه الإيضاحات ، فإنَّ ما ينبغي دراسته على هذا الصعيد ، مسألتان:
الاُولى : تصفيد الشياطين وغلّها في شهر رمضان .
الثانية : البحث عن العوامل الكامنة وراء اجتراح الخطايا وظهور الذنوب في هذا الشهر ، على الرغم من تصفيد الشياطين وغياب دورها الإغوائي .

1 . علّة تصفيد الشياطين في شهر رمضان

تفيد عملية دراسة النصوص الإسلامية وتحليلها ، وجود علّتين لغلّ الشياطين ومنعها في شهر رمضان ، على النحو الّذي تأتي فيه العلّة الثانية في طول العلّة الاُولى . وهاتان العلّتان هما :

العلّة الاُولى : الممانعة الطبيعية للصيام

يُزيل الصوم على نحو طبيعي الأرضية الّتي تتحرّك عليها سلطة الشيطان للتأثير على الإنسان وإغوائه ، وبتعبير أدقّ ليست السلسلة الّتي تقيّد الشيطان وتغلّه في شهر رمضان سوى الصوم نفسه ، ومن هنا ما جاء عن النَّبي في قوله صلى الله عليه و آله :

1.«وَ قَالَ الشَّيْطَـنُ لَمَّا قُضِىَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَ عَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَ مَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُم» ( إبراهيم : ۲۲ ) .

  • نام منبع :
    شهر الله في الكتاب و السنّة
    المساعدون :
    الافقي، رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1424 ق / 1382 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 146676
الصفحه من 628
طباعه  ارسل الي