271
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

النقطة الثانية

يلفت الشريف المرتضى قدس سره إلى أنّ هناك تهافتا داخليا في أحد الأخبار ، وهو ما روي عن الحسن البصري في الحديث: إنّ إبليس لعنه اللّه تعالى لما أن حملت حواء عرضها ـ وكانت ممّن لا يعيش لها ولد ـ فقال لها: إن أحببت أن يعيش ولدك فسمّيه عبدالحارث ، وكان إبليس قد يسمّى بالحارث ، فلمّا ولدت سمّت ولدها بهذه التسمية ؛ فلهذا قال اللّه تعالى: «جَعَلاَ لَهُو شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـلـهُمَا»۱ . ۲
وقد صرّح الشريف المرتضى قدس سره: بأنّ هذا الخبر لايصحّ بتاتا ؛ فإنّ المنظومة المعرفية الموروثة عن الحسن البصري غير ذلك ؛ لأنّ الحسن نفسه يقول بخلاف
هذه الرواية ، كما رواه خلف بن سالم ، عن إسحاق بن يوسف ، عن عروة [عوف ـ خ ل] ، عن الحسن في قوله تعالى: «فَلَمَّآ ءَاتَـلـهُمَا صَــلِحًا جَعَلاَ لَهُو شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَـلـهُمَا» قال: هم المشركون.
وبإزاء هذا الحديث ما روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم من أنّ : الشرك غير منسوب إلى آدم وزوجته عليهماالسلام ، وأنّ المراد به غيرهما. ۳
من هنا نرى المنهجية الّتي يتبعها الشريف المرتضى قدس سره في ردّه هذا الخبر ، فإنّه درس أحاديث الحسن بمجموعها ورأى التناقض الداخلي في هذا الموروث العقائدي ، وهي دقّة تحقيقية ناجحة ومثمرة في مواضع عديدة.

1.الأعراف : ۱۹۰ .

2.تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام : ص ۴۸ ـ ۴۹ .

3.المصدر السابق : ص ۵۳.


المناهج الروائية عند شريف المرتضي
270

النقطة الاُولى

قد صحّ أنّه لا رأي لمَن لايطاع ، ومن هذا النحو قضية التحكيم الّتي ابتلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بها، وأنّه انطلق من بصيرة ، ولم يندم على التحكيم : نعم ، قد روي في هذا الباب : إنّه كان يردد عليه السلام بعض الأشعار الدالّة على أنّ التحكيم جرى على خلاف الصواب ، قال عليه السلام :
لقد عثرت عثرة لا أعتذرسوف أكيسُ بعدها وأستمرّ
وأجمع الأمر الشتيت المنتشر۱
ويدقّق الشريف المرتضى قدس سره في هذا الخبر ، ويحتمل فيه عدّة وجوه :
الوجه الأوّل: أنّ هذا الخبر شاذ ضعيف.
الوجه الثاني: أن يكون هذا الخبر باطلاً موضوعا.
الوجه الثالث: أن يكون الغرض من هذا الخبر غير ما ظنّه القوم من الاعتراف بالخطأ في التحكيم .
ويوضّح الشريف المرتضى قدس سره الغرض والهدف الأصلي من هذا الخبر ، قائلاً : « قد روي عنه عليه السلام معنى هذا الخبر ، وتفسير مراده منه ، ونقل من طرق معروفة موجودة في كتب أهل السِّير، أنّه عليه السلام لمّا سئل عن مراده بهذا الكلام، قال: كتب إليّ محمّد بن أبي بكر بأن أكتب له كتابا في القضاء يعمل عليه، فكتبت له ذلك وأنفذته إليه، فاعترضه معاوية ، فأخذه منه ، فأسف عليه السلام على ظفر عدوّه بذلك، وأشفق من أن يعمل بما فيه من الأحكام، وتوهّم ضعفة أصحابه : إنّ ذلك من علمه ومن عنده، فتقوى الشبهة به عليهم. وهذا وجه صحيح يقتضي التأسّف والتندّم، وليس في الخبر المتضمّن للشعر ما يقتضي أن تندّمه كان على التحكيم دون غيره، فإذا جاءت رواية بتفسير ذلك عنه عليه السلام ، كان الأخذ بها أولى. ۲
فهو بهذا المقدار من التوجيه الأخباري استطاع أن يحافظ على صياغة الخبر ، ويرد على ظنون القوم الّذين ظنّوا من الخبر غير ما يظهر منه لأوّل وهلة .

1.الغارات للثقفي : ص ۱۶۲ ، شرح نهج البلاغة : ج ۶ ص ۷۳ .

2.تنزيه الأنبياء والائمّة عليهم السلام : ص ۲۳۳ ـ ۲۳۴ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 71861
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي