249
المناهج الروائية عند شريف المرتضي

المناهج الروائية عند شريف المرتضي
248

الموضع الثاني

قد يستفهم عن قوله تعالى: «ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَـذَا بِـئالِهَتِنَا يَـإِبْرَ هِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُو
كَبِيرُهُمْ هَـذَا فَسْـئلُوهُمْ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ» ،۱
وترد في الذهن عدّة إشكالات على مفاد الآية ، وأبرز إشكال في صميم هذه الآية هو: إنّما عنى بالكبير الصنم الكبير ، وهذا التأويل كذب لا شكّ فيه ؛ لأنّ نبي اللّه إبراهيم عليه السلام هو الّذي كسر الأصنام ، فإضافته تكسيرها إلى غيره ممّن لا يجوز أن يفعل شيئاً لا يكون إلاّ كذباً.
ووقع السجال والرد والبدل حول هذه الآية الكريمة ، وقد كان الشريف المرتضى قدس سرهالسّباق في هذا المجال في توجيهاته العلمية ، وقد حمل هذه الآية على أنّ الخبر مشروط غير مطلق ، يقول قدس سره: « الخبر مشروط غير مطلق ؛ لأنّه قال: «إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ» ومعلوم أنّ الأصنام لا تنطق، وأنّ النطق مستحيل عليها ، فما علّق بهذا المستحيل من الفعل أيضاً مستحيل، وإنّما أراد إبراهيم عليه السلام بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لايسمع ولايبصر ولاينطق ولايقدر أن يخبر عن نفسه بشيء، فقال: إن كانت هذه الأصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير ؛ لأنّ من يجوز أن ينطق يجوز أن يفعل ، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل عليها، وعلم باستحالة الأمرين أنّها لايجوز أن تكون آلهة معبودة، وأنّ من عبدها ضالّ مضلّ، ولافرق بين قوله: إنّهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون، وبين قوله: إنّهم ما فعلوا ذلك ولا غيره ؛ لأنّهم لاينطقون ولايقدرون.
وأمّا قوله عليه السلام : «فَسْـئلُوهُمْ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ» ، فإنّما هو أمر بسؤالهم أيضاً على شرط، والنطق منهم شرط في الأمرين، فكأنّه قال: إن كانوا ينطقون فاسألوهم ؛ فإنّه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه.
وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره: «من فعل هذا الفعل؟» فيقول زيد: «إن كان فعل كذا وكذا» ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد، وليس في الحقيقة من فعله.
ويكون غرض المسؤول نفي الأمرين جميعاً عن زيد ، وتنبيه السائل على خطئه
في إضافة ما أضافه إلى زيد ». ۲
ثمّ يذكر الشريف المرتضى قدس سره بعض التهافتات في البين قائلاً : « فإن قيل : أليس قد روي بشر بن مفضّل، عن عوف، عن الحسن قال: بلغني أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال: إنّ إبراهيم عليه السلام ما كذب متعمّداً قطّ إلاّ ثلاث مرّات ، كلّهنّ يجادل بهنّ عن دينه ، قوله: «إِنِّى سَقِيمٌ»۳ ، وإنّما تمارض عليهم ؛ لأنّ القوم خرجوا من قريتهم لعيدهم ، وتخلّف هو ليفعل بآلهتهم مافعل، وقوله: «بَلْ فَعَلَهُو كَبِيرُهُمْ»۴ ، وقوله لسارة: «إنّها اُختي» لجبّار من الجبابرة ؛ لما أراد أخذها.
قلنا: قد بيّنّا بالأدلّة العقليّة الّتي لا يجوز فيها الاحتمال ولا خلاف الظاهر : أنّ الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكذب ، فما ورد بخلاف ذلك من الأخبار لا يلتفت إليه، ويقطع على كذبه إن كان لا يحتمل تأويلاً صحيحاً لائقاً بأدلّة العقل، فإن احتمل تأويلاً يطابقها تأوّلناه ، ووافقنا بينه وبينها. وهكذا نفعل فيما يروى من الأخبار الّتي تتضمّن ظواهرها الجبر أو التشبيه.
فأمّا قوله عليه السلام : «إِنِّي سَقِيمٌ» ، فسنبيّن بعد هذه المسألة بلا فصل وجه ذلك ، وأنّه ليس بكذب .
وقوله «بَلْ فَعَلَهُو كَبِيرُهُمْ» قد بيّنّا معناه ، وأوضحنا عنه.
وأمّا قوله عليه السلام لسارة: «إنّها اُختي»، فإن صحّ فمعناها : أنّها اُختي في الدين، ولم يرد اُخوّة النسب.
وأمّا ادّعاؤهم على النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: ما كذب إبراهيم عليه السلام إلاّ ثلاث كذبات، فالاُولى : أن يكون كذبوا عليه ؛ لأنّه كان أعرف بما يجوز على الأنبياء عليهم السلام وما
لايجوز عليهم منّا، ويحتمل إن كان صحيحا أن يريد : أنَّه ما أخبر بما ظاهره الكذب إلاّ ثلاث دفعات ، فأطلق عليه اسم الكذب ؛ لأجل الظاهر ، وإن لم يكن على الحقيقة كذلك ». ۵
فهذه المنهجية الّتي اتبعها ، وهي : أنّ الأدلّة العقلية لا يمكن تجاوزها ، والّتي صرحت أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكذب ، لا يمكن تخطيها وتجاوزها إلاّ إذا استطعنا أن نأتي بتأويلاً لائقا ومناسبا للأدلّة العقلية ، فحينئذٍ يرتفع التهافت.
وهذا أصل ثابت لا يمكن تجاوزه ، وهو بمثابة الخطّ المستقيم الّذي توزن به الأخبار ، كما كانت توزن به الآيات الكريمة.

1.الأنبياء : ۶۲ ـ ۶۳.

2.الأنبياء: ۶۲ ـ ۶۳.

3.الصافات: ۸۹.

4.الأنبياء: ۶۳.

5.تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام : ص ۶۷ .

  • نام منبع :
    المناهج الروائية عند شريف المرتضي
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 71295
الصفحه من 358
طباعه  ارسل الي