247
الرواشح السماوية

دخول بلد فيه الطاعون والوبا . ۱ ونحو ذلك .
وقال بعضهم : كأنّه صلى الله عليه و سلم كره ذلك مخافةَ أن يحدث في مال المُصِحّ ، أو في بدن الصحيح ما بمال الممرض أو ببدن المَعيُوه من العاهة والمرض ، فالجاهل يسمّي ذلك «عَدوى» ويجعله إعداءً من فعل الطبيعة ، لا قضاءً وقَدَرا بإذن اللّه سبحانه ، فيأثم بذلك .
وإذا كان المتضادّان بحيث لايتيسّر الجمع بينهما ، فإن علمنا أنّ أحدهما ناسخ قدّمناه ، وإلاّ رجعنا إلى المرجّحات المقرّرة في علم الأُصول ، وهذا أهمّ فنون علم الحديث يُضطَرّ إليه طوائف العلماء عموما ، والفقهاء خصوصا . وإنّما يملك القيامَ به الأئمّة المتثقّفون من المتضلّعين في الحكمة والأُصول والفقه ، والغوّاصين في المنطق والمعاني والبيان .
وقد صنّف فيه من فقهاء العامّة الشافعيُّ كتابَه المعروف ۲ ولم يقصد استيعابه ، بل زعم أنّه ذكر جملةً تُنبِّه العارفَ على طريق الجمع بين الأحاديث في غير ما ذكره .
ثمّ ابن قتيبة صنّف كتابه المشهور . ۳
ومن أصحابنا شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي رحمه الله صنّف كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، ولنا بفضل اللّه سبحانه وجوه لطيفة ونكات دقيقة في تضاعيف أبواب هذا الفنّ.
وبالجملة: كلٌّ يتكلّم فيالجمع على مقدار فهمه، وقلَّما يتّفق فهمان على جمعٍ واحد.

الناسخ والمنسوخ

كما في القرآن ناسخ ومنسوخ كذلك في الأحاديث ما ينسِخ وما يُنسَخ . وحقيقة النسخ مطلقا بيان انتهاء ۴ حكم شرعي وبتِّ استمراره ، والكشفُ عن غايته ، لارفع

1.مسند أحمد ۱ : ۴۰۷ ، ح ۱۶۶۶ .

2.هو مختلف الحديث للإمام الشافعي ، طبع في هامش كتابه الأُمّ .

3.هو تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة .

4.في حاشية «أ» و «ب» : «فيه ردٌّ علي الطيبى من علماء العامّة وعلي زين المتأخرّين من أصحابنا . (منه دام ظلّه أبدا)» .


الرواشح السماوية
246

و«المُصِحّ» ـ بضمّ الميم وكسر الصاد ـ الذي صحّت وسلمت ماشيته وإبله من الأمراض والعاهات .
ووجه الجمع بين الحديثين حَمْل الأوّل على أنّ «العَدْوى» المنفيّةَ عَدوى الطبع ، أي ما كان يعتقده الجاهلون من أنّ ذلك يتعدّى من جنبة فعل الطبيعة من غير استناد إلى إذن اللّه سبحانه وأمره وإرادته جلّ سلطانه . ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «فمَن أعدى الأوّلَ؟» . ۱ وذلك كما أنّ الجاهلين كانوا يُسندون الأمطار إلى الأنواء كالثريّا والدَبَران ، لا إلى إفاضة اللّه تعالى ورحمته ، فنهى النبيّ صلى الله عليه و آله عن ذلك وقال : «من قال : مُطِرنا بنَوْء كذا ، فقد كفر» أو «فهو كافر» . ۲
و«الأنواء» منازل القمر الثمانيةُ والعشرون وإيّاها عنى إذ قال عزّ قائلاً : «وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنَـهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ » .۳ يكون كلّ منها مختفيا تحت شعاع الشمس ثلاث عشرة ليلةً ويظهر من بعد طلوعُ الفجر ، و يسمّى ذلك الظهور طلوعَ ذلك المنزل ، فتسقط في أُفق الغرب بعد كلّ ثلاث عشرة ليلةً منزلةٌ ويطلع من أُفق الشرق رقيبها مع طلوع الفجر .
وحَمْل الثاني على التحذير من ضرر التعدية الغالبِ حصولُها عند المخالطة والإيذان ، بأنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ جعل المخالطة سببا للإعداء ، وأمَرَ الطبيعةَ بالإقدام على ذلك ، والفعّال المهيمن على الأمر كلّه ـ الذي بيده مقاليد الأُمور كلِّها ـ هو اللّه سبحانه .
ومن هذا السبيل قوله صلى الله عليه و آله : «فِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد» . ۴ ونهيُه عن

1.تقدّم آنفا .

2.الدّر المنثور ۸ : ۳۱ في ذيل الآية ۷۵ من الواقعة (۵۶) . وعنه في بحار الأنوار ۵۵ : ۳۲۹ ، ح ۲۳ .

3.يس (۳۶) : ۳۹ .

4.الفقيه ۳ : ۳۶۳ ، ح ۱۷۲۷ الباب ۱۷۸ ؛ صحيح البخاري ۵ : ۲۱۵۸ و ۲۱۵۹ ، ح ۳۸۰ باب الجذام ؛ مسند أحمد ۳ : ۱۹۰ ، ح ۹۴۲۹ .

  • نام منبع :
    الرواشح السماوية
    المساعدون :
    قيصريه ها، غلامحسين؛ الجليلي، نعمة الله؛ محمدي، عباس؛ رضا نقي، غلام
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1422 ق / 1380 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 82207
الصفحه من 360
طباعه  ارسل الي