495
حكم النّبي الأعظم ج1

ومن الضروريّ الالتفات إِلى النقاط الآتية فيما يتعلّق بتأَثير الذكر في بناء الإنسان :

أ ـ استمرار الذكر وديمومته

إِنّ ما يُفضي إِلى ظهور معطيات الذكر في تخلية القلب وتجليه وبلوغ المعرفة الشهوديّة هو استمرار الذكر وديمومته ، كماصرّح به عدد من النصوص المتقدّمة ، ولعلّ الخروج من الظلمات والدخول إِلى عالم النُّور في سورة الأَحزاب بعد الأمر بكثرة الذكر يعود إِلى هذا السبب ، قال تعالى :
«يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَ مَلَئكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّـلُمَـتِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» . ۱
من هنا ، فإنّ الذكر الذي لا ديمومة له ولا يتمكّن من القلب يتعذّر عليه أَن يقوم بدور في مسير المعرفة الشهوديّة .
لقد قدم الفقيه والمحدّث الكبير الفيض الكاشانيّ رحمه الله خمسةً وعشرين تعليما في رسالة «زاد السالك» أَجاب فيها عن رسالة أَحد العلماء ، وقد سأَله عن كيفيّة سلوك طريق الحقّ ، حيث قال في التعليم الثامن عشر:
إنّ الانشغال بقدرٍ من الأَذكار والأَوراد في أَوقات معيّنة ، ولا سيّما بعد فريضة الصلاة ، وترويض اللسان على ذكر الحقّ تعالى في أَغلب الأَحيان ما أَمكن ، ولو كانت الجوارح منهمكة بأُمور أُخرى ، فتلك سعادة نِعِمّا وأُثر عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّ لسانه كان مترطّبا بالكلمة الطيّبة المتمثّلة بالتهليل؛ قول : «لا إله إلّا اللّه » ؛ وذلك عند أَكله ، وكلامه ، ومشيه ، وما شابهها ۲ . إذ إنّ هذا ممدّ لكلّ سالك

1.الأحزاب : ۴۱ ـ ۴۳ .

2.ومتن الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام ، كما يأتي : «كان أبي كثير الذكر . لقد كنتُ أمشي معه وإنّه ليذكر اللّه ، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر اللّه ، ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه . وكنتُ أرى لسانه لازقا بحنكه يقول : لا إله إلّا اللّه » (الكافي : ج ۲ ص ۴۹۸) .


حكم النّبي الأعظم ج1
494

به ومحبّته ، كالمأثور عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال :
مَن أكثَرَ ذِكرَ اللّهِ عز و جل أَحَبَّهُ اللّهُ .۱
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام :
الذِّكرُ مِفتاحُ الأُنسِ .۲
وفي هذا الضوء ، ذكر اللّه في الخطوة الأُولى من خطوات السلوك يصقل مرآة القلب من صداَ الأَخلاق الرديئة وسيّئات الأَعمال ، وفي الخطوة الثانية يمهّد الأَرضية لانعكاس المعارف الشهوديّة فيه بعد تنويره ، ومن ثَمّ الظفر بمعرفة اللّه ومحبّته .
وبالنظر إِلى عطيات ذكر اللّه وبركاته وتأثيره الهامّ في بناء الإنسان والمجتمع التوحيديّ ، أَكّد القرآن الكريم والأَحاديث المأثورة كثرة الذكر ، بل استمراره وديمومته مرارا ، قال تعالى :
«يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» . ۳«فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَوةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَـمًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ» . ۴«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـمًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ» . ۵
وقال الإمام الصادق عليه السلام :
ما مِن شَيء إِلّا ولَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيه ، إِلَا الذِّكر فَلَيسَ لَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيهِ... ثمّ تلا قوله تعالى :«يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا».۶

1.الكافي : ج ۲ ص ۵۰۰ ح ۳ عن داوود بن سرحان عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۱۶۰ ح ۳۹ .

2.غرر الحكم : ح ۵۴۱ .

3.الأحزاب : ۴۱ .

4.النساء : ۱۰۳ .

5.آل عمران : ۱۹۱ .

6.الكافي : ج ۲ ص ۴۹۸ ح ۱ ، عدّة الداعي : ص ۲۳۳ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 214291
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي