593
حكم النّبيّ الأعظم ج2

بحث حول فلسفة الإمامة والقيادة

في ضوء ما تقدّم في الفصل الرابع ، فإنّ حكمة الإمامة والقيادة وفلسفتهما من منظار النصوص الدينيّة تقوم على حِكَمٍ ثلاث:

1 ـ الحِكمَةُ السِّياسِيَّةُ

إنّ هذه الحكمة مورد اتّفاق بين المجتمعات البشرية كافّة؛ وذلك لأنّ الحاجة إلى القيادة السياسيّة أمر ثابت متجذّر في الفطرة البشريّة، من هنا نجد أنّ جميع الاُمم والشعوب كان لها على مرّ العصور والدهور قادة وساسة، وإنّما الاختلاف بينها في طريقة تعيين القائد السياسي وتحديد مواصفاته، أمّا أصل ضرورة إدارة المجتمع فهو أمر مفروغ عنه ولا يمكن إنكاره .
إنّ الإسلام في الوقت الذي يَعتبِر أرقى مراتب الإمامة والقيادة أمرا ضروريّا في حصول التكامل البشري ـ فردا وجماعة ـ ، فإنّه في الوقت نفسه يؤكّد ضرورة وجود القيادة السياسيّة ، حتّى لو لم يتوفّر المناخ المساعد لتولّي القيادة الصالحة.
وبعبارة أكثر وضوحا: إنّ الإمعان في النصوص الدينيّة ، يوقفنا على وجود نوعين من الحكمة على نحو الترتّب في مسألة الإمامة:
الحكمة الاُولى: ضمان استمراريّة النظام الإسلامى
¨ إنّ ممّا لا شكّ فيه هو أنّ بقاء النظام الإسلامي مرهون بوجود قيادة عالمة وسياسيّة مقتدرة ، وقد أشارت جميع الروايات التي فسّرت الإمامة على أنّها «نظام الإسلام» أو «نظام المسلمين» ـ والتي أناطت إجراء الأحكام وتقدّم المجتمع الإسلامي بأئمّة الدين ـ إلى هذا النوع من فلسفة الإمامة والحكمة فيها. ۱
الحكمة الثانية: منع الفوضى
على الرغم من إلزام الإسلام المسلمين جميعا بتهيئة الأرضيّة لتأسيس حكومة الصالحين في الأرض، إلّا أنّه لا ينكر في جميع الظروف ضرورة وجود القيادة السياسيّة في المجتمع مهما كانت توجّهاتها الدينيّة، فهو لا يسمح للمجتمع الإسلامي أن يقف حياديّا أو مكتوف اليدين تجاه قضيّة هامّة كمسألة القيادة السياسيّة أو الاستسلام لحالات الفوضى. وإنّ جميع الروايات التي تؤكّد بصورة عامّة مبدأ القيادة السياسيّة في المجتمع ورجحانها على حالات الفوضى والفتنة ، فهي تشير إلى هذه الحكمة على نحو التّرتّب . ۲
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في بيان وجه الحكمة السياسيّة من وجود مطلق القيادة السياسيّة ، ردّا على من كان يرفع شعار : « لا حكم إلّا للّه » وهو شعار مصدره القرآن الكريم ، إلّا أنّ حَمَلَته أرادوا به التمرّد على حكم الإمام عليه السلام :
كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ ! نَعَم ، إنَّهُ لا حُكمَ إلّا للّه ِِ ، وَلكِنَّ هؤُلاءِ يَقولونَ : لا إمرَةَ إلّا للّه ِِ ! وإنَّهُ لابُدَّ لِلنّاسِ مِن أميرٍ ؛ بَرٍّ أو فاجِرٍ ، يَعمَلُ في إمرَتِهِ المُؤمِنُ ، وَيَستَمتِعُ فيهَا الكافِرُ ، ويُبَلِّغُ اللّه ُ فيهَا الأَجَلَ ، ويُجمَعُ بِهِ الفَيءُ ، ويُقاتَلُ بِهِ العَدُوُّ ، وتَأمَنُ بِهِ السُّبُلُ ، ويُؤخَذُ بِهِ لِلضَّعيفِ مِنَ القَوِيِّ ؛ حَتّى يَستَريحَ بَرٌّ ، ويُستَراحَ مِن فاجِرٍ.۳
إنّ شعار «لا حُكمَ إلّا للّه ِِ» شعار صحيح في نفسه ، ولكن حملته وهم «الخوارج» استغلّوه من أجل هدف باطل ، وهو الإخلال بنظم المجتمع الإسلامي.
لقد كان الهدف الأساس من وراء شعار الخوارج ، النيل من وحدة المجتمع الإسلامي ، وذلك من خلال الإطاحة بالقيادة السياسيّة، والحال إنّ حفظ النظام واجب في جميع الأحوال:
إنَّ هؤُلاءِ قَد تَمالَؤوا عَلى سَخطَةِ إمارَتي، وسَأَصبِرُ ما لَم أخَف عَلى جَماعَتِكُم، فَإِنَّهُم إن تَمَّموا عَلى فَيالَةِ هذَا الرَّأيِ انقَطَعَ نِظامُ المُسلِمينَ.۴
وممّا تجدر إليه الإشارة أنّ هذه الفكرة لم تكن لدى جميع الخوارج، بل كانت عند فرقة منهم ولم يكتب لها الاستمرار طويلاً في تاريخ الإسلام.
قال التفتازاني بعد نقل آراء الأشاعرة والمعتزلة وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في وجوب نصب الإمام وكيفيّة نصبه:
قالت النجدات ـ قوم من الخوارج أصحاب نجدة بن عويمر ـ : إنّه ليس بواجب أصلاً . وقال أبو بكر الأصمّ من المعتزلة : لا يجب عند ظهور العدل والإنصاف لعدم الاحتياج ، ويجب عند ظهور الظالم . وقال هشام القوطي منهم بالعكس ؛ أي يجب عند ظهور العدل لإظهار شرائع الشرع. ۵
وقال ابن حزم الأندلسي عند قول «النجدات»:
وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحدا . ۶
وقال ابن أبي الحديد في ذلك:
فقال المتكلّمون كافّة : الإمامة واجبة ، إلّا ما يُحكى عن أبي بكر الأصمّ من قدماء أصحابنا أنّها غير واجبة ؛ إذا تناصفت الاُمّة ولم تتظالم . وقال المتأخّرون من أصحابنا : إنّ هذا القول منه غير مخالف لما عليه الاُمّة ؛ لأنّه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم اُمور الناس من دون رئيسٍ يحكم بينهم ، فقد قال بوجوب الرياسة على كلّ حال ، اللّهمّ إلّا أن يقول : إنّه يجوز أن تستقيم اُمور الناس من دون رئيس ، وهذا بعيد أن يقوله. ۷
على كلّ حال فإنّ حكمة القيادة السياسيّة وضرورتها أمر لا ينكر؛ لذا نجد أنّ فكرة الخوارج لمّا كانت على خلاف الفطرة والعقل والدين ، لم تلقَ قبولاً ولم تستمرّ في التأريخ الإسلامي.

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۴ ( الإمامة / الفصل الرابع : حكمة الإمامة ح ۳۲۷۲ و ۳۲۷۳ و ۳۲۷۷ ) .

2.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۴ ( الإمامة / الفصل الرابع : حكمة الإمامة / الحكمة السياسية / الوقاية من الهرج ) .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۴۰ ، السنن الكبرى : ج ۸ ص ۳۱۹ ح ۱۶۷۶۴ .

4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۹ ، بحار الأنوار : ج ۳۲ ص ۸۱ ح ۵۳ .

5.راجع : شرح المقاصد لسعد الدين التفتازاني : ج ۵ ص ۲۳۶ .

6.الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم : ج ۴ ص ۸۷ .

7.شرح نهج البلاغة : ج ۲ ص ۳۰۸.


حكم النّبيّ الأعظم ج2
592

3 / 6

نُزولُ أنواعِ البَرَكاتِ

۲۹۷۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ في وَصفِ الأَئِمَّةِ عليهم السلام ـ: بِهِم يَحفَظُ اللّه ُ عز و جل دينَهُ ، وبِهِم يَعمُرُ بِلادَهُ ، وبِهِم يَرزُقُ عِبادَهُ ، وبِهِم يُنزِلُ ۱ القَطرَ مِنَ السَّماءِ ، وبِهِم يُخرِجُ بَرَكاتِ الأَرضِ . ۲

۲۹۷۳.عنه صلى الله عليه و آلهـ أيضا ـ: بِهِم تُنصَرُ اُمَّتي ، وبِهِم يُمطَرونَ ، وبِهِم يُدفَعُ عَنهُمُ البَلاءُ ، ويُستَجابُ دُعاؤُهُم . ۳

1.في المصدر : «نزل» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.كمال الدين : ص ۲۶۰ ح ۵ عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام عليّ عليه السلام ، بحار الأنوار : ج ۳۶ ص ۲۵۴ ح ۶۹ .

3.كمال الدين : ص ۲۸۵ ح ۳۷ عن سليم بن قيس الهلالي عن الإمام عليّ عليه السلام ، بحار الأنوار : ج ۹۲ ص ۹۹ ح ۶۹ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 164243
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي