343
حكم النّبيّ الأعظم ج2

ج ـ أوّلُ والٍ لِمكَّةَ شابٌّ في الحادية وَالعشرينَ

ما إن فرغ النّبي صلى الله عليه و آله من فتح مكّة حتّى بانت في الأُفق بوادر معركة حنين بعد فترة وجيزة من ذلك، فما كان من النّبي صلى الله عليه و آله إلّا أن قام بتجهيز جيشه وإشخاصه إلى خارج مكّة استعدادا للمواجهة. وكان من اللازم أيضا من جهة أُخرى أن يستخلف على مكّة التي استخلصها توّا من أيدي المشركين شخصا كفوءا مدّبرا لشؤونها ، سيما وأنّها تمثّل آنذاك ثقل الجزيرة العربية ومحط أنظار القبائل والناس كافّة. هذا بالإضافة إلى أنّ مثل هذا الاستخلاف أن يأخذ على أيدي المشركين ويحول دون أيّ محاولة عبث بأمن مكّة واستقرارها. وقد اختار النّبي صلى الله عليه و آله لهذا الأمر الخطير من بين أصحابه شابا في الحادية والعشرين من عمره اسمه عتّاب بن أسيد فقلّده ذلك ، وكتب له كتابا بولايته:
وَولّى صلى الله عليه و آله عَتّابَ بنَ أسيدٍ وعُمُرُهُ إحدى وعِشرونَ سَنَةً أمرَ مَكَّةَ وأمَرَهُ صلى الله عليه و آله أن يُصَلِّيَ بِالنّاسِ وهُوَ أوَّلُ أميرٍ صَلّى بِمَكَّةَ بَعدَ الفَتحِ جَماعَةً .۱
ثمّ التفت صلى الله عليه و آله لعتّاب مُبيّنا له خطورة هذه المسؤولية قائلاً:
يا عَتّابُ ، تَدري عَلى مَنِ استَعمَلتُكَ؟! اِستَعمَلتُكَ عَلى أهلِ اللّه ِ عز و جل ، ولَو أعلَمُ لَهُم خَيرا مِنكَ استَعمَلتُهُ عَلَيهِم .۲
وكان من الطبيعي أن يثير مثل هذا القرار حفيظة وجهاء مكّة وكبرائها ، فكتب النّبي صلى الله عليه و آله كتابا طويلاً توقّيا لاعتراضهم جاء في آخره:
ولا يَحتَجَّ مُحتَجٌّ مِنكُم في مُخالَفَتِهِ بِصِغَرِ سِنِّهِ فَلَيسَ الأَكبَرُ هُوَ الأَفضَلَ ، بَلِ الأَفضَلُ هُوَ الأَكبَرُ .۳
هذا وقد بقي عتّاب بن أسيد واليا على مكّة إلى آخر حياة النّبي صلى الله عليه و آله ، وكان حَسنِ التدبير والولاية.

1.السيرة الحلبية : ج ۳ ص ۱۰۴ .

2.اُسد الغابة : ج ۳ ص ۵۴۹ الرقم ۳۵۳۸ .

3.بحار الأنوار : ج ۲۱ ص ۱۲۳ ح ۲۰ .


حكم النّبيّ الأعظم ج2
342

ب ـ أوَّلُ مُمَثّلٍ لِلنَّبِيِّ فَتىً

قَدِم أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد قيس على النّبي صلى الله عليه و آله بمكّة قبل هجرته ، وكانا من أشراف المدينة، فدخلا عليه صلى الله عليه و آله في ظروف حرجة كانت تَعيشها مكّة آنذاك ، واستمعا إلى دعوته ، ثمّ أسلما وقالا له: يا رَسولَ اللّه ِ ابعَث مَعَنا رَجُلاً يُعَلِّمُنَا القُرآنَ، ويَدعُو النّاسَ إلى أمرِكَ. ۱
لقد كانت هذه هي المرّة الاُولى التي تطلب فيها المدينة ـ وكانت من البلاد الواسعة كثيرة الاختلاف ـ مُمثِّلاً عن النّبي صلى الله عليه و آله ، كما أنّها تعتبر المرّة الاُولى أيضا التي يبعث فيها النّبي ممثّلاً رسميّا عنه إلى خارج مكّة. ومن الطبيعي أن يُختار لمثل هذه المهمّة الخطيرة من تتوفّر فيه المؤهّلات واللياقات اللازمة.
فاختار النّبي صلى الله عليه و آله لذلك من بين المسلمين وقتئذٍ مصعب بن عمير ، وكان شابّا في مقتبل أمره:
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ لِمُصعَبِ بنِ عُمَيرٍ ، وكانَ فَتىً حَدَثاً ... وأمَرَهُ رَسولُ اللّه ِ بِالخُروجِ مَعَ أسعَدَ ، وقَد كانَ تَعَلَّمَ مِنَ القُرآنِ كَثيرا .۲
فانطلق هذا الفتى المُفعَم بروح الإيمان والفتوّة ، وقام بالمهمّة مع تدبير وكياسة على أحسن وجه . ولم يلبث طويلاً حتّى استجاب أهل المدينة لدعوته على اختلاف شرائحهم سيما فتيانهم وشبابهم، فأسلموا وصلّى بهم مصعب صلاه الجمعة، وهي أول صلاة جمعة تقام في المدينة ؛ ويقول ابن أثير :
إنَّهُ أوَّلُ مَن جَمَّعَ الجُمُعَةَ بِالمَدينَةِ وأسلَمَ عَلى يَدِهِ أسيدُ بن حضيرٍ وسَعدُ بنُ مُعاذٍ ، وكَفى بذلكَ فَخراً وأثَراً فِي الإِسلامِ .۳

1.بحار الأنوار: ج ۱۹ ص ۱۰.

2.بحار الأنوار : ج ۱۹ ص ۱۰ .

3.اُسد الغابة : ج ۵ ص ۱۷۶ الرقم ۴۹۳۶ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج2
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 164072
الصفحه من 686
طباعه  ارسل الي