121
حكم النّبيّ الأعظم ج4

1 . زوال الإخلاص

أوّل ركن أخلاقي لتبليغ الدين هو الإخلاص ، وهذا الركن يتزعزع بسبب طلب الأجر في مقابل التبليغ ، ويصبح المبلّغ مصداقاً لمن يصفهم الإمام عليّ عليه السلام بقوله :
يَطلُبُ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةَ ، ولا يَطلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنيا .۱
وهكذا ، فإنّ من كان يستطيع تحويل شؤونه الدنيويّة إلى عمل اُخروي ضمن دوافع إلهيّة خالصة ۲ ، فعندئذٍ يمكنه أن يجعل طلب الأجر على التبليغ ـ الذي يعتبر أمراً إلهيّاً ومعنويّاً ـ كوسيلة لكسب العيش وتأمين حياته المعاشيّة ، أو (طلبِ الدنيا) حسب تعبير الإمام عليّ عليه السلام .
وفي هذا المجال روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
مَنِ احتاجَ النّاسُ إلَيهِ لِيُفَقِّهَهُم في دينهِم ، فَيَسأَلُهُم الاُجرَةَ ، كانَ حَقيقاً عَلَى اللّهِ أن يُدخِلَهُ نارَ جَهَنَّمَ .۳

2 . انخفاض تأثير التبليغ

عندما يتزعزع ركن الإخلاص يتناقص تلقائيّاً تأثير التبليغ في حياة الآخرين ، حتّى يصل أحياناً إلى حدّ الصفر ، بل قد تنعكس عنه أحياناً نتائج سلبيّة ؛ وذلك لأنّ الناس يحقّ لهم عندئذٍ النظر بعين التهمة إلى كلّ من يتّخذ دين اللّه كوسيلة لضمان حياته المادّيّة ، وألّا يعتبروه ناصحاً مخلصاً لهم ، كما قال عيسى عليه السلام في هذا المعنى :
الدّينارُ داءُ الدّينِ ، وَالعالِمُ طَبيبُ الدّينِ ؛ فَإِذا رَأَيتُمُ الطَّبيبَ يَجُرُّ الدّاءَ إلى نَفسِهِ فَاتَّهِموهُ ، وَاعلَموا أنَّهُ غَيرُ ناصِحٍ غَيرَهُ .۴

1.نهج البلاغة : الخطبة ۳۲ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۵ ح ۵۴ .

2.راجع : ميزان الحكمة ، عنوان «النيّة» باب ۳۹۸۴ «الحثّ على النيّة في كلّ شيء» .

3.عوالي اللآلي : ج ۴ ص ۷۱ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۷۸ ح ۶۸ .

4.الخصال : ص ۱۱۳ ح ۹۱ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۱۰۷ ح ۵ .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
120

وأبدى مزيداً من التوضيح بهذا الصدد قائلاً :
«قُلْ مَآ أَسْـئلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً» . ۱
وعلى هذا الأساس ، فإنّ ما طلبه رسول الإسلام صلى الله عليه و آله كأجر على إبلاغ الرسالة إنّما هو دعوة الناس إلى السير على طريق اللّه ، الذي هو طريق القيم الدينيّة والتكامل المعنوي والمادّي للإنسان ، والذي يتجسّد في القيادة الربّانيّة ، وأهل بيت الرسول صلى الله عليه و آله الذين هم أكمل مصاديق القادة الربّانيّين . ۲
في ضوء هذه المقدّمة التي أوردناها في ما يخصّ التبليغ ، تُثار التساؤلات التالية :
1 . ما هي الحكمة الكامنة وراء تأكيد الأنبياء عليهم السلام على عدم قبول أجرٍ لقاء إبلاغ الرسالة ؟ وفي ضوء ما مرّ علينا من سيرة الأنبياء عليهم السلام ، هل يمكن للمبلّغين ـ الذين هم ورثتهم ـ أن يطلبوا من الناس أجراً لقاء التبليغ ؟
2 . ما حكم أخذ الأجر على التبليغ من دون طلبه ؟
3 . مع افتراض كون التبليغ مجّانياً ، فكيف يمكن توفير الحاجات الاقتصاديّة للمبلّغ ؟

أ ـ الانعكاسات السلبيّة لطلب الأجر على التبليغ

لغرض تقديم إجابة على السؤال الأوّل ، وفهم الحكمة الكامنة وراء تأكيد الأنبياء على مجّانيّة التبليغ ، يكفي أن نلقي نظرة على الانعكاسات السلبيّة لطلب الأجر في مقابل التبليغ :

1.الفرقان : ۵۷ .

2.راجع : كتاب أهل البيت في الكتاب والسنّة : ( القسم الثامن / الفصل الثالث ) والقيادة في الإسلام : ( القسم الثاني : الفصل الأول : موقع القيادة / سبيل اللّه ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 201309
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي