187
حكم النّبيّ الأعظم ج5

بحث حول تشريع الأذان

إنّ التأمّل في الأحاديث الواردة حول بدء تشريع الأذان يشير إلى حدوث اختلاف في المجتمع الإسلاميّ إبّان حكومة معاوية في كيفيّة تشريع الأذان ومصدر ذلك التشريع ، وذلك في مقابل أئمّة أهل البيت عليهم السلام الذين أجمعوا على أنّ مصدر تشريع الأذان هو الوحي الإلهيّ ، وأنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قد تلقّى كلّ فصول الأذان عن جبرئيل عليه السلام ، وتلقّاها جبرئيل من عند اللّه سبحانه .
من هنا يمكن القول: إنّ بعض المسلمين يعتقد ـ بالاعتماد على بعض الروايات ـ أنّ الأذان لا يمتّ بصلة إلى الوحي الإلهيّ ، وأنّ مصدره مجرّد رؤيا أو اقتراح من بعض الصحابة . وسوف نأتي هنا على ذكر عدد من الروايات الواردة في مصادر معروفة عند أهل السنّة حول بدء الأذان وتأريخه ۱ ، ثمّ نتعرّض إلى تقويمها ونقدها .

أوّلاً : الروايات التي لا تعتبر الوحي مصدرا للأذان

1 . أخرج ابن داوود في السنن عن عبّاد بن موسى الختليّ وزياد بن أيوب ـ وحديث عبّاد أتمّ ـ قالا: حدّثنا هشيم ، عن أبي بشر ، قال زياد: أخبرنا أبو بشر ، عن أبي عمير بن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، قال :
اِهتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِلصَّلاةِ كَيفَ يَجمَعُ النّاسَ لَها ، فَقيلَ لَهُ: انصِب رايَةً عِندَ حُضورِ الصَّلاةِ ، فَإِذا رَأَوها آذَنَ بَعضُهُم بَعضا ، فَلَم يُعجِبهُ ذلِكَ . قالَ : فَذُكِرَ لَهُ القُنعُ ـ يَعنِي الشَّبُّور ، وقال زياد: شَبُّورُ اليَهودِ ـ فَلَم يُعجِبهُ ذلِكَ ، وقالَ: هُوَ مِن أمرِ اليَهودِ . قالَ: فَذُكِرَ لَهُ النّاقوسُ ، فَقالَ: هُوَ مِن أمرِ النَّصارى . فَانصَرَفَ عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدِ بنِ عَبدِ رَبِّهِ وهُوَ مُهتَمٌّ لِهَمِّ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَاُرِيَ الأَذانَ في مَنامِهِ ، قالَ : فَغَدا عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَأخبَرَهُ ، فَقالَ لَهُ: يا رَسولَ اللّه ِ ، إنّي لَبَينِ نائِمٍ و يَقظانَ إذ أتاني آتٍ فَأَرانِي الأَذانَ . قالَ : وكانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ قَد رَآهُ قَبلَ ذلِكَ فَكَتَمَهُ عِشرينَ يَوما ، قالَ: ثُمَّ أخبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : ما مَنَعَكَ أن تُخبِرَني؟ فَقالَ : سَبَقَني عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ فَاستَحيَيتُ . فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يا بِلالُ ، قُم فَانظُر ما يَأمُرُكَ بِهِ عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ فَافعَلهُ ، قالَ: فَأَذَّنَ بِلالٌ . قالَ أبو بِشرٍ: فَأخبَرَني أبو عُمَيرٍ أنَّ الأَنصارَ تَزعُمُ أنَّ عَبدَ اللّه ِ بنَ زَيدٍ لَولا أنَّهُ كانَ يَومَئِذٍ مَريضا لَجَعَلَهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُؤَذِّنا.۲
2 . وأخرج عن محمّد بن منصور الطوسي ، حدّثنا يعقوب ، حدّثنا أبي، عن محمّد بن إسحاق ، حدّثني محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه ، قال : حدّثني عبد اللّه بن زيد ، قال :
لَمّا أمرَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِالنّاقوسِ يُعمَلُ لِيُضرَبَ بِهِ لِلنّاسِ لِجَمعِ الصَّلاةِ ، طافَ بي وأنَا نائِمٌ رَجُلٌ يَحمِلُ ناقوسا في يَدِهِ، فَقُلتُ : يا عَبدَ اللّه ِ ، أتَبيعُ النّاقوسَ؟ قالَ : وما تَصنَعُ بِهِ ؟ فَقُلتُ: نَدعو بِهِ إلَى الصَّلاةِ . قالَ : أفَلا أدُلُّكَ عَلى ما هُوَ خَيرٌ مِن ذلِكَ؟ فَقُلتُ لَهُ: بَلى ! قالَ : فَقالَ : تَقولُ : اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّه ُ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّه ُ ، أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّه ِ ، أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّه ِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ، حَيِّ عَلَى الفَلاحِ ، اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، لا إلهَ إلَا اللّه ُ . قالَ : ثُمَّ استَأخَرَ عَنّي غَيرَ بَعيدٍ ، ثُمَّ قالَ : وَتَقولُ إذا أقَمتَ الصَّلاةَ: اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّه ُ ، أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّه ِ ،حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ، قَد قامَتِ الصَّلاةُ ، قَد قامَتِ الصَّلاةُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ ، لا إلهَ إلَا اللّه ُ . فَلَمّا أصبَحتُ أتَيتُ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَأخبَرتُهُ بِما رَأَيتُ ، فَقالَ : إنَّها لَرُؤيا حَقٍّ إن شاءَ اللّه ُ ، فَقُم مَعَ بِلالٍ فَأَلقِ عَلَيهِ ما رَأَيتَ فَليُؤَذِّن بِهِ ؛ فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنكَ . فَقُمتُ مَعَ بِلالٍ ، فَجَعَلتُ اُلقيهِ عَلَيهِ ويُؤَذِّنُ بِهِ . قالَ : فَسَمِعَ ذلِكَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ وهُوَ في بَيتِهِ ، فَخَرَجَ يَجرُّ رِداءَهُ ، ويَقولُ : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ يا رَسولَ اللّه ِ ، لَقَد رَأَيتُ مِثلَ ما رَأى ، فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : فَلِلّهِ الحَمدُ.۳
3 . وأخرج ابن ماجة في السنن عن أبي عبيد محمّد بن عبيد بن ميمون المدني ، حدّثنا محمّد بن سلمة الحرّاني ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، حدّثنا محمّد بن إبراهيم التيمي ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زيد ، عن أبيه ، قال :
كانَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قَد هَمَّ بِالبوقِ ، وأمَرَ بِالنّاقوسِ فَنُحِتَ ، فَاُرِيَ عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ فِي المَنامِ ؛ قالَ : رَأَيتُ رَجُلاً عَلَيهِ ثَوبانِ أخضَرانِ ، يَحمِلُ ناقوسا ، فَقُلتُ لَهُ : يا عَبدَ اللّه ِ ، تَبيعُ النّاقوسَ؟ قالَ : وما تَصنَعُ بِهِ؟ قُلتُ : اُنادي بِهِ إلَى الصَّلاةِ ، قالَ : أفَلا أدُلُّكَ عَلى خَيرٍ مِن ذلِكَ؟ قُلتُ : وما هُوَ؟ قالَ : تَقولُ : اللّه ُ أكبَرُ ، اللّه ُ أكبَرُ....۴
4 . وأخرج عن محمّد بن خالد بن عبد اللّه الواسطيّ ، حدّثنا أبي ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه :
إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله استَشارَ النّاسَ لِما يُهِمُّهم إلَى الصَّلاةِ ، فَذَكَرُوا البوقَ ، فَكَرِهَهُ مِن أجلِ اليَهودِ ، ثُمَّ ذَكَرُوا النّاقوسَ ، فَكَرِهَهُ مِن أجلِ النَّصارى ، فَاُرِيَ النِّداء تِلكَ اللَّيلَةَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصارِ يُقالُ لَهُ : عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ ، وعُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، فَطَرَقَ الأَنصارِيُّ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَيلاً ، فَأَمَرَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِلالاً بِهِ فَأَذَّنَ .
قال الزهري : وزاد بلال في نداء صلاة الغداة : الصلاة خير من النوم ، فأقرّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... . ۵
5 . وأخرج الترمذيّ في السنن عن سعيد بن يحيى بن سعيد الاُمويّ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا محمّد بن إسحاق ، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ ، عن محمّد بن عبد اللّه بن زيد ، عن أبيه ، قال :
لَمّا أصبَحنا أتَينا رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَأَخبَرتُهُ بِالرُّؤيا ، فَقالَ : إنَّ هذِهِ لَرُؤيا حَقٍّ ، فَقُم مَعَ بِلالٍ فَإِنَّهُ أندى وأمَدُّ صَوتا مِنكَ ، فَأَلقِ عَلَيهِ ما قيلَ لَكَ ، وَليُنادِ بِذلِكِ ... .
قال الترمذيّ : و قد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد ، عن محمّد بن إسحاق أتمّ من هذا الحديث وأطول ، وذكر فيه قصّة الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مرّة مرّة ، وعبد اللّه بن زيد هو ابن عبد ربّه ، ويقال : ابن عبد ربّ ، ولا نعرف له عن النبيّ صلى الله عليه و آله شيئا يصحّ إلّا هذا الحديث الواحد في الأذان . ۶

1.جدير بالذكر أنّ عددا من الروايات الواردة عن أهل السنّة تتوافق مع روايات الشيعة في اعتبار مصدر تشريع الأذان هو الوحي الإلهي .

2.سنن أبي داوود : ج ۱ ص ۱۳۴ ح ۴۹۸ ، سنن البيهقي : ج ۱ ص ۵۷۴ ح ۱۸۳۴ .

3.سنن أبي داوود : ج۱ ص۱۳۵ ح۴۹۹ ، مسند ابن حنبل : ج ۵ ص ۵۴۰ ح ۱۶۴۷۸ .

4.سنن ابن ماجة : ج۱ ص۲۳۲ ح۷۰۶ ، كنز العمّال : ج ۸ ص ۳۳۰ ح ۲۳۱۴۱ .

5.سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۲۳۳ ح ۷۰۷ .

6.سنن الترمذي : ج ۱ ص ۳۵۸ ح ۱۸۹ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
186

۷۲۱۹.عنه عليه السلام :لَمّا هَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام بِالأَذانِ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كانَ رَأسُهُ في حِجرِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَأَذَّنَ جَبرَئيلُ عليه السلام وأقامَ ، فَلَمَّا انتَبَهَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قالَ :
يا عَلِيُّ ، سَمِعتَ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : حَفِظتَ؟ قالَ : نَعَم ، قالَ : اُدعُ بِلالاً فَعَلِّمهُ . فَدَعا عَلِيٌّ عليه السلام بِلالاً فَعَلَّمَهُ . ۱

۷۲۲۰.تذكرة الحفّاظ عن عكرمة بن عبّاس :۲ : الأَذانُ نَزَلَ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مَعَ فَرضِ الصَّلاةِ : «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» . ۳

1.الكافي : ج ۳ ص۳۰۲ ح ۲ عن منصور بن حازم ، بحارالأنوار : ج ۴۰ ص ۶۲ ح ۹۶ .

2.كذا في المصدر ، والظاهر أنّه تصحيف والصواب «عن عكرمة عن ابن عبّاس» ، وعكرمة هو مولى لابن عبّاس .

3.تذكرة الحفّاظ : ج ۳ ص ۸۰۰ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 193538
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي