وضوء النبي صلى الله عليه و آله ۱
ذكرت كيفية الوضوء في القرآن ۲ وبعد نزول الآية المتعلّقة به عمل بها النبي صلى الله عليه و آله طوال الأيّام والليالي وكلّ يوم وليلة عدّة مرات ، حتّى اشتهرت سيرته صلى الله عليه و آله في ذلك ؛ ولكن وقعت بعض الاختلافات فيما بعد في نقل هذه السيرة.
وكما يشير لنا التأريخ والفقه فإنّه لم يحدث اختلاف مهمّ في كيفية الوضوء حتّى نهاية عهد الخليفتين الأوّل والثاني ، ولم يكن الصحابة والمسلمون في صدر الإسلام بحاجة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى نقل هذه الكيفية ، بل والنقاش حولها ؛ وذلك بسبب معاصرتهم له ۳ . ولكنّ موضوع وضوء النبي صلى الله عليه و آله طُرح فجأةً من قبل عثمان في عهد خلافته ، وطبق النقول المتعدّدة ۴ . فقد هبّ لمعارضته بعض الصحابة ، وبعد أن أظهر بشكل عملي كيفية خاصّة للوضوء ، اعتبرها وضوء النبي صلى الله عليه و آله .
الرواية الاُولى : وضوء عثمان
في هذا الوضوء يغسل الوجه واليدان والرجلان ولا يمسح إلّا الرأس ، فيكون الوضوء مؤلّفا من ثلاث غسلات ومسح واحد . ۵
وذكر كلّ من البخاري ومسلم في كتابيهما أنّ هذا الوضوء لعثمان ۶ . وجاء في أحد النقول أن عثمان كان يغسل كلّ واحد من الأعضاء ثلاث مرّات ، ويغسل رجليه أيضا إلى الكعبين ، ولكنّه يمسح الرأس مرّة واحدة . وفي الختام اعتبر هذا الوضوء ، وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ورغم أنّ الروايات عديدة ومختلفة ۷ ، ولكنّ معظمها يدلّ على تأكيد عثمان على هذا الوضوء الخاص ، واختلافه عن عمل البعض من الصحابة .
ويقول عثمان في نقل آخر يُظهر حدوث الاختلاف في كيفية الوضوء :
« إنّ ناسا يتحدّثون عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحاديث لا أدري ما هي ، إلّا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله توضّأ مثل وضوئي هذا » ۸ .
مضافا إلى ذلك فقد نقل المتّقي الهندي في كنز العمّال عن أبي مالك الدمشقي قوله : « إنّ عثمان بن عفّان اختلف في خلافته في الوضوء» ۹ .
ثمّ نسب وضوءا شبيها بالسابق إلى عثمان .
القرينة الاُخرى على ظهور الاختلاف في الوضوء في عهد عثمان تتمثّل في جدول يظهر أنّ أيّا من الصحابة لم يتحدّث عن الوضوء بقدر عثمان . ويفيد هذا الجدول الذي تناول بالدراسة والبحث روايات ثلاثين صحابيا كثيري الرواية ، بأنّ اثنين أو ثلاثة من الصحابة فقط رووا أحاديث حول الوضوء ، على أنّ أحاديث اثنين منهم ، هما عبداللّه بن عبّاس وعلي بن أبي طالب عليه السلام لا تتجاوز عدد الأصابع ؛ ولكنّ عثمان له وحده أكثر من عشرين حديثا في هذا المجال. ۱۰
واعتبرت بعض الروايات وضوء عدد من الصحابة والتابعين مثل وضوء عثمان أو مؤيّدا لوضوئه ؛ ولكنّنا لم نجد سوى اثنين منهم ( عبداللّه بن زيد بن عاصم ، وعبداللّه بن عمرو بن العاص ) وأمّا الباقون فليس لرواياتهم سند ، أو نصّ مقبول . ۱۱
1.يجدر ذكره أنّ هذا البحث أعدّه الفاضل المحترم الشيخ عبد الهادي المسعودي .
2.المائدة : ۶ .
3.وضوء النبي صلى الله عليه و آله : ج ۱ ص ۳۰ ـ ۳۵ .
4.نفس المصدر : ص ۴۰ ـ ۴۳ .
5.يجدر ذكره أنّ القليل أفتوا بالجمع بين المسح وغسل القدمين ، وقال البعض مثل الحسن البصري ف بالتخيير ( راجع : بدائع الصنائع : ج ۱ ص ۵ ) .
6.صحيح البخاري : ج ۱ ص ۴۸ ؛ صحيح مسلم : ج ۱ ص ۱۴۲ .
7.على سبيل المثال فقد ذكر بعضهم قيد « ثلاثا » في « مسح الرأس والرجل » ، ولم يذكر البعض الآخر هذا القيد ، وذكر البعض «مسح الرجلين » ، والبعض الآخر « غسل الرجلين » ( راجع : مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۱۴۸ ح ۴۸۷ ـ ۴۸۹ ؛ سنن الدارقطني : ج ۱ ص ۸۵ و ۸۶ ح ۹ ـ ۱۳ ) .
8.صحيح مسلم : ج ۱ ص ۲۰۷ ح ۸ .
9.كنز العمّال : ج۹ ص۴۴۳ ح۲۶۸۹۰ .
10.نسب حديث إلى عائشة أيضا ، ولكنّ البعض شكّك فيه ( وضوء النبي صلى الله عليه و آله : ج ۱ ص ۵۰ ) .
11.قام مؤلّف كتاب وضوء النبي بدراسة هذه الروايات وتقييمها ، واعتبرها غير مقبولة ( وضوء النبي صلى الله عليه و آله : ج ۱ ص ۴۸ و ص ۱۳۷ ) .