55
حكم النّبيّ الأعظم ج6

حكم النّبيّ الأعظم ج6
54

ثالثا : صوم خواصّ الخواصّ

يتمثّل هذا الضرب من الصيام بكفّ القلب وتحصينه عن كلّ ما يشغله سوى اللّه سبحانه ، حلالاً كان الشاغل أم حراما . يقول أبو حامد الغزالي ( ت 505 ق ) في نعت هذه الدرجة من الصوم :
وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القَلب عَن الهمم الدنيّة والأفكار الدنيويّه وكفّه عمّا سوى اللّه بالكلّية ؛ ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفِكر فيما سوى اللّه واليوم الآخر ، وبالفكر في الدّنيا إلّا دنيا تراد للدِّين فإنَّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدّنيا حتّى قال أرباب القلوب : مَن تحرّكت همّته بالتصرّف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه ، كتبت عليه خطيئة فإنَّ ذلك من قلّة الوثوق بفضل اللّه وقلّة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصدّيقين والمقرّبين، ولايطوَّل النظر في تفصيلها قولاً ولكن في تحقيقها عملاً ، فإنّه إقبال بكنه الهمّة على اللّه وانصراف عن غير اللّه وتلبّس بمعنى قوله تعالى : « قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ »۱ . ۲
من جهته يُومِئ الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام إلى المراتب الثلاث هذه بقوله :
صَومُ القَلبِ خَيرٌ مِن صِيامِ اللِّسانِ وصِيامُ اللِّسانِ خَيرٌ مِن صِيامِ البَطنِ .۳
على أنَّ لكلّ واحدة من المرتبتين الأخيرتين مراتب كثيرة بحسب مجاهدات الصائمين واستعدادهم ، كما يختلف الصوم أيضا من زاوية دوافع الصائم ، حيث يأتي في ذروة هذه المراتب حال الصائم حين لا يكون الباعث إلى صيامه الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب ، وإنّما امتثال الأمر الإلهي والرغبة في قربه والطمع برضاه ولقائه سبحانه . نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا لكي نبذل ما يزيد حظّنا من الضيافة الرمضانية الكريمة ، وأن يتفضّل علينا بأعلى درجات الصيام وأسماها .

1.الأنعام : ۹۱ .

2.إحياء علوم الدين : ج ۱ ص ۳۵۰ ؛ المحجّة البيضاء : ج۲ ص ۱۳۱ .

3.غرر الحكم : ح ۵۸۹۰ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 159552
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي