35
حكم النّبيّ الأعظم ج6

كلام في شرح حديث «الصّوم لي»

قالَ أبو حامدٍ الغزّالي في شرح الحديث : إنّما كانَ الصومُ للّه ِ ومشرّفا بالنسبةِ إليهِ ـ وإن كانت العبادات كلّها له كماشرّف البيت بالنسبةِ إليهِ والأرض كلّها له ـ لمعنيين :
أحدهما : أنّ الصوم كفّ وترك ، وهو في نفسه سرّ ليس فيه عمل يشاهد ، فجميع الطاعاتِ بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يعلمه إلّا اللّه تعالى ؛ فإنّه عمل في الباطن بالصبر المجرّد .
والثاني : أنّه قهرٌ لعدوّ اللّه ؛ فإنّ وسيلة الشيطان ـ لعنه اللّه ـ الشهوات ، وإنّما يقوى الشهوات بالأكل والشرب ؛ ولذلك قال صلى الله عليه و آله : «إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ ؛ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجوعِ» ... فلمّا كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدّا لمسالكه وتضييقا لمجاريه ، استحقّ التخصيص بالنسبة إلى اللّه ؛ ففي قمع عدوّ اللّه نصرة للّه ، ونصرة اللّه للعبد موقوفة على النصرة له ؛ قال اللّه : «إِن تَنصُرُواْ اللّه َ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»۱ ؛ فالبداية بالجهدِ مِنَ العَبدِ ، والجزاء بالهداية مِنَ اللّه ِ ؛ ولذلكَ قالَ : «وَ الَّذِينَ جَـهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»۲ ، وقالَ : «إِنَّ اللّه َ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ»۳ ؛ وإنّما التغيير بكسر الشهواتِ ، فهي مرتعُ الشياطين ومرعاهم ، فما دامت مخصبة لم ينقطع تردّدهم ، وما داموا يتردّدون فلا ينكشف للعبدِ جلال اللّه ، وكان محجوبا عن لقائه ؛ قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لَولا أنَّ الشَّياطينَ يَحومونَ عَلى قُلوبِ بَني آدَمَ لَنَظَروا إلى مَلَكوتِ السَّماءِ» . فمن هذا الوجه صار الصوم بابَ العبادة وصارَ جُنّةً . ۴
وفي النهاية لابن الأثير : قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأنّه لِمَ خَصّ الصومَ والجزاءَ عليه بنفسه عز و جل ، وإن كانت العبادات كُلّها له وجَزاؤها منه ؟ وذكروا فيه وجوها مدارُها كُلّها على أنّ الصوم سِرٌّ بين اللّه والعبد لايَطَّلِع عليه سِواه ، فلا يكون العبدُ صائما حَقيقةً إلّا وهو مُخلص في الطاعة . وهذا وإن كان كما قالوا ؛ فإنَ غير الصَّوم من العبادات يشاركه في سرّ الطاعة ، كالصلاة على غير طهارة أو في ثوبٍ نجس ، ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات الّتي لا يعرفها إلّا اللّه وصاحبها . وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث : أنّ جميع العبادات الّتي يتقرّب بها العباد إلى اللّه عز و جل ـ من صلاة ، وحجّ ، وصدقة ، واعتكاف ، وتبتُّل ، ودعاء ،وقُربان ، وهَدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات ـ قد عَبَدَ المشركون بها آلِهتَهم ، وما كانوا يتَّخذونه من دون اللّه أندادا ، ولم يُسمَع أنّ طائفة من طوائف المشركين وأرباب النِّحَلِ في الأزمان المُتَقادِمة عَبدت آلهتها بالصوم ، ولا تقرَّبت إليها به ، ولا عُرف الصوم في العبادات إلّا من جهة الشرائع ، فلذلك قال اللّه عز و جل : «الصَّومُ لي وأنَا أجزي بِهِ» ؛ أي : لم يُشاركني أحدٌ فيه ، ولا عُبد به غيري ، فأنا حينئذٍ أجزي به وأتولَّى الجزاء عليه بنفسي ، لا أكِلُه إلى أحد من ملك مقرّب أو غيره على قدر اختصاصه بي . ۵

1.محمّد : ۷ .

2.العنكبوت : ۶۹ .

3.الرعد : ۱۱ .

4.المحجّة البيضاء : ج ۲ ص ۱۲۵ ؛ إحياء علوم الدين : ج ۱ ص ۳۴۶ .

5.النهاية : ج ۱ ص ۲۷۰ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
34

ب ـ الصَّومُ للّه ِِ عز و جل

۸۴۸۰.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّه ُ عز و جل : «الصَّومُ لي ، وأنَا أجزي بِهِ» . ۱

۸۴۸۱.عنه صلى الله عليه و آله :كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ يُضاعَفُ ؛ الحَسَنَةُ عَشرُ أمثالِها إلى سَبعِمِئَةِ ضِعفٍ ، قالَ اللّه ُ عز و جل: «إلَا الصَّومَ فَإِنَّهُ لي، وأنَا أجزيبِهِ،يَدَعُ شَهوَتَهُ وطَعامَهُ مِن أجلي». ۲

۸۴۸۲.عنه صلى الله عليه و آله :يَقولُ اللّه ُ تَعالى : «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لَهُ ؛ فَالحَسَنَةُ بِعَشرِ أمثالِها إلى سَبعِمِئَةِ ضِعفٍ ، إلَا الصِّيامَ هُوَ لي وأنَا أجزي بِهِ ، إنَّهُ يَترُكُ الطَّعامَ وشَهوَتَهُ مِن أجلي ، ويَترُكُ الشَّرابَ وشَهوَتَهُ مِن أجلي ؛ فَهُوَ لي وأنَا أجزي بِهِ» . ۳

۸۴۸۳.عنه صلى الله عليه و آله :قالَ اللّه ُ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ : «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ هُوَ لَهُ غَيرَ الصِّيامِ ؛هُوَ لي ، وأنَا أجزي بِهِ» . وَالصِّيامُ جُنَّةُ العَبدِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامَةِ كَما يَقي أحَدَكُم سِلاحُهُ فِي الدُّنيا . ولَخُلوفُ فَمِ الصّائِمِ أطيَبُ عِندَ اللّه ِ عز و جل مِن ريحِ المِسكِ . وَالصّائِمُ يَفرَحُ بِفَرحَتَينِ : حينَ يُفطِرُ فَيَطعَمُ ويَشرَبُ ، وحينَ يَلقاني فَاُدخِلُهُ الجَنَّةَ» . ۴

۸۴۸۴.عنه صلى الله عليه و آله :عَلَيكَ بِالصَّومِ ؛ فَإِنَّهُ مَحضٌ . ۵

1.تهذيب الأحكام : ج ۴ ص ۱۵۲ ح ۴۲۰ عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام ، بحارالأنوار : ج ۹۶ ص ۲۵۵ ح ۳۱ ؛ صحيح البخاري : ج ۶ ص ۲۷۲۳ ح ۷۰۵۴ وص ۲۷۴۱ ح ۷۱۰۰ كلاهما عن أبي هريرة وص ۱۳ ح ۷۱۷۷ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري .

2.صحيح مسلم : ج ۲ ص ۸۰۷ ح ۱۶۴ ؛ فضائل الأشهر الثلاثة : ص ۱۴۳ ح ۱۵۶ نحوه كلاهما عن أبي هريرة .

3.سنن الدارمي : ج ۱ ص ۴۵۱ ح ۱۷۱۹ عن أبي هريرة .

4.الخصال : ص ۴۵ ح ۴۲ عن ابن عبّاس ، بحارالأنوار : ج ۹۶ ص ۲۴۹ ح ۱۴ .

5.كنز العمّال : ج ۸ ص ۴۵۰ ح ۲۳۶۰۹ نقلاً عن شُعب الإيمان عن عثمان بن مظعون .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 160940
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي