65
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

من جهة ، وكانوا جائرين إلى أبعد الحدود من جهةٍ اُخرى ـ بتحريف مفهوم العدل الإلهي لتبرير مظالمهم . وتظهر الدراسات التاريخية أنهّم من خلال مخطّطٍ خبيثٍ ومدروس كان قد وضعه عدد من أشباه العلماء ، طرحوا مسألة القضاء والقدر الإلهيّين ، وبذلك سعوا لتصوير أنّ كلّ ما يحدث في العالم ـ ومنه حكمهم الظالم ـ إنّما يقع بتقدير اللّه ورضاه . وعلى هذا الأساس ، فإنّ على الناس أن يرضوا بحكم الظالمين !
وتفادياً للشبهة الّتي تقول إنّ مثل هذا القضاء والقدر والجبر يستلزم الظلم ، أنكروا الحُسن والقبح العقليين ، وقالوا : إنّ كلّ ما يفعله اللّه هو عين العدل ، بناءً على ذلك ، فإنّ حكومة الظلمة وممارسات الخلفاء الجائرة باعتبارها في قضاء اللّه وقدره فهي من العدل ولا يحقّ لأحدٍ الاعتراض عليها .
وهذا التفسير للعدل الإلهي هو في الحقيقة نفي للعدل الإلهي ؛ ذلك لأنّه ينظر إلى الأعمال الّتي هي ظلم من منظار العقل بعين العدل . ۱
وهنا يتّضح الترابط الوثيق بين العدل الإلهي والمسائل التالية : القضاء والقدر ، الجبر والاختيار ، الحسن والقبح العقليين ، والسعادة والشقاء ، كما يتّضح كيفية استغلال هذه المسائل الكلامية سياسيا في التاريخ الإسلامي .
يقول الاُستاذ الشهيد المطهري رضى الله عنه في هذا المجال :
يُظهر التاريخ أنّ مسألة القضاء والقدر كانت في عهد بني اُميّة مستمسكا قاطعا ودامغا للحكّام الاُمويّين ، فقد كانوا يؤيّدون بشدّة مذهب الجبر ، وكانوا يقتلون أنصار الاختيار والحرّية ؛ باعتبارهم يعارضون عقيدة دينية ، أو يلقونهم في السجن ، حتّى اشتهر هذا القول : الجبر والتشبيه اُمويّان ، والعدل والتوحيد علويّان .

1.راجع : العدل في الرؤية التوحيدية للوجود : (القسم الثاني : العدل الإلهي في التاريخ الإسلامي) .


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
64

مذهب أهل البيت عليهم السلام يعتبرون العدل الإلهي من اُصول الإسلام إلى جانب إمامة أهل البيت عليهم السلام . وسبب ذلك أنّ جميع المفكّرين والمصلحين الّذين يفكّرون في إنقاذ المجتمع الإنساني وسعادته وتكامله ، ليس لهم في الحقيقة تطلّع ومثل أعلى غير «العدل» و «الإمامة» ، وفلسفة النظرة التوحيدية للعالم ما هي إلّا تحقيق العدالة وتربية اُناس يحتذون بالأئمّة وإمامة الصالحين .
وسوف نبيّن سبب اعتبار «الإمامة» أصلاً بعد بيان «النبوّة» في هذه الموسوعة بشكلٍ مفصّل إن شاء اللّه . وأمّا أسباب اعتبار العدل الإلهي أصلاً على أساس المعيار المذكور فهي :

أ ـ الأهمّية العقيدية

يكفي في بيان أهميّة الاعتقاد بالعدل الإلهي أنّ الكثير من العقائد الإسلاميه تنضوي تحته ، وأمّا إذا لم نؤمن بهذا الأصل فلن يكون بالإمكان إثبات الكثير من التعاليم الاعتقادية ، مثل : النبوّة ، والمعاد ، والحساب ، والجنّة ، والنار ، كما سنتحدّث عن ذلك بشكلٍ مفصّل فيما يأتي .
يقول السيّد المرتضى في هذا المجال :
فمن أراد الإجمال اقتصر على أصلين : التوحيد والعدل . فالنبوّة والإمامة الّتي هي واجبة عندنا ومن كبار الاُصول ، وهما داخلتان في أبواب العدل . ۱

ب ـ الأهميّة السياسية ـ الاجتماعية

لا تقلّ الأهميّة السياسية ـ الاجتماعية للعدل الإلهي عن أهميّته العقيدية ؛ لأنّ العدل الإلهي يمثّل في الحقيقة البنية التحتية للعدالة الاجتماعية . وفي زمن بني اُميّة قام جملة من حكّامهم الجائرين ـ الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم خلفاء اللّه ورسوله

1.رسائل الشريف المرتضى : ج ۱ ص ۱۶۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 101240
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي