سَبَقَ العِلمُ وجَفَّ القَلَمُ وَمَضَى القَدَرُ ، بِتَحقيقِ الكِتابِ وَتَصديقِ الرُّسُلِ ، وَبِالسَّعادَةِ مِنَ اللّهِ عز و جل لِمَن آمَنَ وَاتَّقى ، وَبِالشَّقاءِ لِمَن كَذَّبَ وَكَفَرَ ، وَبِوِلايَةِ اللّهِ المُؤمِنينَ وَبَراءَتِهِ مِنَ المُشرِكينَ .۱
على هذا فإنّ جفاف قلم التقدير لا يسلب الإنسان حرّيته وحسب ، بل إنّه يمنحه الحرّية ، لأنّ كتابته الّتي هي غير قابلة للتغيير هي حرّية الإنسان في اختيار طريق السعادة ، أو الشقاء.
نعم ، هناك قلم آخر إذا جفّ فإنّ الحرّية ستسلب من الإنسان ، ألا وهو قلم التكليف ، كما جاء في الحديث النبويّ في وصف الموت المفاجئ للأشخاص الشرّيرين :
أما رَأَيتُمُ المَأخوذينَ عَلَى العِزَّةِ وَالمُزعَجينَ بَعدَ الطُمَأنينَةِ ، الَّذينَ أقاموا عَلَى الشُبُهاتِ وَجَنَحوا إلَى الشَّهَواتِ ، حَتّى أتَتهُم رُسُلُ رَبِّهِم ، فَلا ما كانوا أمَّلوا أدرَكوا ، ولا إلى ما فاتَهُم رَجَعُوا ، قَدِموا عَلى ما عَمِلوا ، ونَدِمُوا عَلى ما خَلَّفوا ، وَلَن يُغنِي النَّدَمُ وَقَد جَفَّ القَلَمُ . فَرَحِمَ اللّهُ امرَءا قَدَّمَ خَيرَا وَأنفَقَ قَصدا وَقالَ صِدقَا ، وَمَلَكَ دَواعي شَهوَتِهِ وَلَم تَملِكهُ ، وَعَصى أمرَ نَفسِهِ فَلَم تَملِكهُ .۲
3 . نطاق حرّية الإنسان في دائرة التقدير الإلهي
الملاحظة الثالثة : إنّ حرّية الإنسان ليست مطلقة في تعيين مصيره الدنيوي والاُخروي ، بل هي في دائرة القضاء والقدر الإلهيين ، لأنّ لكلّ إنسان استعدادا خاصّا على أساس التقدير الحكيم للحقّ جلّ وعلا ، حيث لا يستطيع أن يتمتّع بحرّيته وسعيه ، إلّا في نطاق مقدراته واستعداداته ، لا أنّ كلّ شخص بإمكانه أن