131
موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6

1 . التعارض مع القرآن والأحاديث القطعيَّة الصدور

إنّه إذا كان المراد من هذه الأحاديث إلغاء حرّية الإنسان في تعيين مصيره وعاقبته ، وسلب الإرادة والمشيئة الإلهية في تغيير مصير الإنسان والعالَم ، فإنّ هذه الأحاديث الآحاد لا تعارض الأحاديث المتواترة والسنّة القطعيّة لرسول اللّه صلى الله عليه و آله فحسب ، بل إنّها تتعارض مع صريح القرآن الكريم ، بل ومع فلسفة بعثة الأنبياء، وبناءً على ذلك فإنّها مردودة ولا يمكن قبولها على فرض صحّة أسانيدها .

2 . عدم تعارض علم اللّه عز و جل مع إرادته وحرية الإنسان

من الممكن أن تكون هذه الروايات كناية عن العلم الأزلي للّه تعالى بالاُمور المذكورة ، حيث وردت الإشارة في بعضها إلى هذا الموضوع ، بمعنى أنّ جميع الحوادث الّتي ستقع للإنسان والعالم يعلمها اللّه تعالى ، فهو يعلم نصيب كلّ إنسان من هذه الدنيا، ومِمَّن سوف يتزوّج ، وما هو الموقع الّذي سيتمتّع به من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة ، ومن سيكون ظالما ومن سيكون مظلوما ومن سيكون سعيدا، ومن سيكون شقيّا ، ومن سيدخل الجنّة ، ومن سيدخل النار، وباختصار : فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم المصير الدنيوي والاُخروي لجميع الناس، ولكنّ الملاحظة المهمّة والدقيقة هي أنّ علم اللّه ، ليس علّة للمعلوم ، بل هو تابع له ، لا متبوع له كما ظنّ الأشاعرة وأتباعهم .
بناءً على ذلك ، فإنّ العلم الأزلي للّه ـ تعالى ـ لا يتعارض ؛ لا مع إرادته ومشيئته ، ولا مع إرادة الإنسان واختياره في تعيين مصيره.
بعبارة اُخرى : فإنّ المراد من الأحاديث المذكورة ، أنّ اللّه ـ تعالى ـ يعلم كيف سيعيّن الإنسان باختياره مصيره في الدنيا والآخرة ، فهل سيكون شقيّا، أم سعيدا؟ وهل سيكون من أهل الجنّة ، أو من أهل النار؟ حيث ذكر هذا المعنى بوضوح في بعض الأحاديث ، فقد روى الشيخ الصدوق عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :


موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
130

السعادة يوفّقون للأعمال الّتي توصلهم إلى سعادتهم المقدّرة ، وأمّا أهل الشقاء فإنّهم يوفّقون للأعمال الّتي تنتهي بهم إلى مصيرهم المشؤوم ، مثل ما نقل عن عمر بن الخطّاب من أنّه قال للنّبيّ صلى الله عليه و آله :
يا رسولَ اللّهِ ، أرَأَيتَ ما نَعمَلُ فيهِ أمرٌ مُبتَدَعٌ أو مُبتَدَأٌ أو أمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ؟ قالَ : أَمرٌ قَد فُرِغَ مِنهُ ، فَاعمَل يَابنَ الخَطّابِ ، فَإِنَّ كُلّاً مُيَسَّرٌ ، فَأَمّا مَن كانَ مِن أهلِ السَّعادَةِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلسَّعادَةِ ، وَمَن كانَ مِن أهلِ الشَّقاءِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلشَّقاءِ .۱
المجموعة الرابعة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ لكلّ إنسان مقدّرات خاصّة من الناحية المادّية ، وإنّ مقدارا معيّنا من الإمكانيات المادّية قد خلق له ، وسوف يصل إليه بالإجمال والاعتدال في طلب الرزق ، وإنّ الحرص والسعي الزائدين عن الحدّ سوف لايزيدان منه شيئا ، مِثل ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من أنّه قال :
أَجمِلُوا في طَلَبِ الدُّنيا فَإِنَّ كُلًا مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ مِنها .۲
المجموعة الخامسة : الأحاديث الّتي تقول : إنّ اللّه فرغ من تقدير أعمال جميع البشر وآجالهم وآثارهم ومضاجعهم ورزقهم ، ولذلك فإنّ أحدا لا يمكنه أن يخرج من دائرة المقدّرات الإلهيّة ، مثل ماروي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
فَرَغَ اللّهُ إلى كُلِّ عَبدٍ مِن خَمسٍ : مِن عَمَلِهِ وَأجَلِهِ وَأثَرِهِ وَمَضجَعِهِ وَرِزقِهِ ، لا يَتَعَدّاهُنَّ عَبدٌ .۳
ملاحظات لفهم الأحاديث المذكورة لبيان هذه الأحاديث ، من الضروريّ الالتفات إلى ثلاث ملاحظات :

1.مسند ابن حنبل : ج ۲ ص ۳۷۰ ح ۵۴۸۲ .

2.مسند الشهاب : ج ۱ ص ۴۱۶ ح ۷۱۶ .

3.تاريخ دمشق : ج ۵۲ ص ۳۹۱ ح ۱۱۰۸۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الاسلاميّة ج6
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالثة
عدد المشاهدين : 101173
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي