11
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3

والحيوانات ، والأرض ، والجبال ، والماء ، والبحار ، والنباتات ، والرياح ، والسحاب ، والمطر ، والشمس ، والقمر ، واللّيل ، والنهار ، والنجوم ، وأخيرا من أصغر ذرّات العالم إِلى أكبر الأجرام السماويّة ـ لو دُرست بشكلٍ علميّ جامعيّ من منظور قرآنيّ ، لَمَا تقدّم المسلمون اليوم في الكلام والفلسفة والحكمة فحسب ، بل في جميع العلوم التجريبيّة أيضا ، ولَعَمَرَتهم معرفة اللّه القائمة على تعاليم القرآن ، والدِّين ، والدنيا: «فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ»۱ .

التعقّل ، لا التعبّد

من البديهيّ أنّ المقصود من الاستنارة بتعاليم القرآن والحديث لمعرفة اللّه تعالى ليس القبول التعبّدي بها فيُشكل على أنّ حجّيّة القرآن والحديث تستند إِلى إِثبات وجود اللّه ، فلو استند إِثبات وجوده تعالى إِلى الكتاب والسنّة يكون دورا ، وهو باطلٌ عقلاً، بل المقصود هو الاستهداء بالأدلّة والبراهين العقليّة المستقاة من القرآن والحديث بنحوٍ يستطيع العقل فيه أن يدرك وجود الخالق وصفاته عبر التأمّل فيها بغضّ النظر عن قائلها ، فالتعقّل هو المعيار في الإقرار بوجود اللّه لا التعبّد .
وفي ضوء ذلك ، لا ضرورة لدراسة أسناد الأحاديث المرتبطة بمعرفة اللّه والتحقيق فيانتسابها إِلى أهل البيت من أجل الاستضاءة بها؛ لأنّ ما فيها من الفاعليّة والتأثير هو البراهين العقليّة الكامنة فيها ، لا انتسابها إِلى أهل البيت عليهم السلام فحسب .
أجل ، بعد إِثبات التوحيد والنبوّة ، وحجيّة كلام أهل البيت عليهم السلام عن طريق العقل ، لو ورد عن طريق النقل كلام لهم في صفات اللّه سبحانه لا يستند إِلى البرهان فلابدّ من سبره و تحليله للاقتناع من انتسابه إِليهم. وإِذا ثبت جزما أنّه منهم ، فالعقل يحكم بقبوله تعبّدا .

1.النساء : ۱۳۴ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
10

ثُمّ لم يعرفه من مخلوقاته أحد كأنبيائه وأوصيائهم ، ومن هنا قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «يا عَلِيُّ ، ما عَرفَ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غيري وغَيرَكَ». ۱
على هذا الأساس يُعدُّ القرآن الكريم وكلام أهل البيت أفضل وسيلةٍ لمعرفة اللّه ـ جلّ شأنه ـ وتعريفه ، وأفضل كتاب في معرفة اللّه هو الكتاب المستنير بتعاليم القرآن و السُنّة ، المسترشد بهما ، و أنّ إِهمال هذه التعاليم ، والاستناد على الفكر الوضعيّ الناقص لا يُبعدان الباحثَ عن الطريق الذي يؤدّي به إِلى المقصد فحسب ، بل يجعلانه عرضةً لخطر الضلال أيضا .

دراسة الأبحاث في معرفة اللّه

إِنّ الدِّراسة الدقيقة للأبحاث التي توفّرت على معرفة اللّه لحدّ الآن من جهةٍ ، والتأمّل في تعاليم الكتاب والسنّة في هذا الشأن من جهة أُخرى ، تدلّ على مدى قصور المسلمين أو تقصيرهم ـ ولا سيما الباحثين منهم ـ في هذا المجال .
إِنّ هذه الدراسة تُرشد إِلى أنّ اللّه تعالى نفسه هو أفضل من أرشد الناس إِلى أدلّة معرفته بواسطة رُسُله ، وأعمقُ من كان ، وأبسطُ من هدى إِلى ذلك وأنفعُ في الوقت ذاته ، بَيْدَ أنّ ما قاله فيما يتعلّق بالتأمّل والتحقيق في هذه الأدلّة لم يَنَلْ نصيبه من البحث .
وتُشعر هذه الدراسة أنّه على الرغم ممّا بذله الباحثون المسلمون من وقتٍ كثير محقّقين في هذا الموضوع ، ومع وجود الكتب الجمّة في هذا المجال ، لكنّ أدلّة اللّه سبحانه على وجوده ما زالت بحاجةٍ إِلى البحث والتحقيق كما هي حقّها .
وتهدي هذه الدراسة إِلى أنّ الآيات التي تتحدّث عن معرفة اللّه ـ أي: الإنسان ،

1.المناقب لابن شهر آشوب : ج ۳ ص ۲۶۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج3
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 103893
الصفحه من 488
طباعه  ارسل الي