67
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

يجب أن نعترف ـ ببالغ الأسف ـ أنّ أغلب الناس مبتلون بهذا المرض الروحي السائد ، حيث تظهر أعراضه في مجال الكثير من الاُمور الاعتقادية والنظرية ، وخاصّةً في ثلاثة موارد يحدّدها الإمام الصادق عليه السلام في مجال المعتقدات الدينية والسياسية والاُمور الإدارية ، فيُروى عنه عليه السلام أنّه قال :
ثَلاثُ خِلالٍ يَقولُ كُلُّ إِنسانٍ إنَّهُ عَلى صَوابٍ مِنها : دينُهُ الَّذي يَعتَقِدُهُ ، وهَواهُ الَّذي يَستَعلي عَلَيهِ ، وتَدبيرُهُ في اُمورِهِ.۱
فبهذه الخلال يتصوّر الجميع أنّ ما يقولونه صحيح مطابق للواقع ، ولا يحتمل أحدٌ ما أن يكون ادّعاؤه خطأ .

احتمال الخطأ في العقائد الدينية

من العادة أنّ من يتّبع دينا أو مذهبا مّا لا يتطرّق إليه الشكّ في معتقداته الدينية ، فلا أحد يحتمل أن تكون عقائده خطأً ، ولو أنك استفسرت من شخصٍ مّا عن صحّة معتقداته أو سقمها لأجاب جازما بأنّ عقيدته وحدها هي الصحيحة المطابقة للواقع ، وأنّ كلّ من يقول بخلاف ذلك أو يعتقد بما يخالف عقيدته فاعتقاده غير صحيح وغير مطابق للواقع وقوله مجانب للعلم ، وعلى هذا الغِرار فإنّ الشيوعي يقول للكلِّ : إنّكم جميعا على خطأ ، وليس هناك إلّا مدرستي وعقيدتي وحدها هي التي تعتبر علميةً ، ولمَّا كان لايحتمل أن يكون ما اعتقده

1.تحف العقول : ص ۳۲۱ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۲۳۴ ح ۵۴ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
66

الأمراض النفسية التي يبتلى بها الكثيرون ويصعب تشخيص أعراضه ، فإن أزْمَنَ استحالت معالجته ، وهذا مايطلق عليه ب«الجهل المركّب» .
ولتوضيح هذه الظاهرة نقول : إنّ الإنسان يواجه حقائق الوجود بأربع حالات :
الحالة الأُولى : هي أنّه يعلم الشيءَ على حقيقته ويعلم أنّه يعلم ، فهو في هذه الحالة عالِمٌ حقيقي .
الحالة الثانية : هي أنّه يعلم الشيءَ على حقيقته ولكنه لا يعلم أنّه يعلم ، فهو في هذه الحالة مصاب بالغفلة والنسيان ، ولذلك يسمَّى غافلاً .
الحالة الثالثة : هي أنّه لا يعلم الشيءَ على حقيقته ويعلم أنّه لا يعلم ، أي أنّه عالِمٌ بجهله ، فهو اذاً جاهلٌ بسيط .
الحالة الرابعة : هي أنّه لايعلم الشيءَ على حقيقته ولا يعلم أنّه لايعلم ، أي أنّه جاهلٌ بجهله ولكنه يتصوّر بأنه يعلم ، فهو في هذه الحالة يسمَّى جاهلاً مركّبا . ۱
ولمزيدٍ من الإيضاح في الفرق بين الجهل البسيط والجهل المركّب نقول : إنّ الجهل البسيط جهلٌ لم يتركّب بجهلٍ آخر ، كعدم معرفة الطريق الفلاني أو الشخص الفلاني أو المسألة العلمية الفلانية ، أمّا الجهل المركّب أو المطْبِقْ فهو عبارة عن جهلين يتركّبان مع بعضهما بشكل خاصّ ، فالجهل الأول هو جهل الإنسان بالشيء ، فجهله اذاً هو الجهل البسيط ، والجهل الثاني هو تصّور الإنسان جهله علما ، وهذا جهلٌ آخر يتركّب مع الجهل الأول لينتج جهلاً مركّبا ۲ أو مطبقا .

1.الجاهل المركّب : من لا يتطابق ما يعلمه مع الواقع ، فهو يظنّ أنّه يعلم الشيء ولكنه لا يعرفه على حقيقته . والجاهل البسيط من جهل الشيءمطلقا، فهو جاهل به أصلاً. فهما فيالجهل بحقيقة الشيءسيّان (لغتنامه دهخدا).

2.الجهل المركّب : هو الاعتقاد بماهية الشيء بخلاف ماهيته اعتقاداً جازما غير مطابق للواقع ، سواءً أكان هذا الاعتقاد مستنداً إلى الظنّ أم إلى التقليد . وعليه ، فلا اعتبار للثبات في الجهل المركّب . والسبب في تسميته بالجهل المركّب هو أنّ الإنسان حينما يعتقد بشيء خلافا لحقيقته فقد جهله وهذا جهل . ثمّ يعتقد بأنّ اعتقاده فيه هو الصواب بعينه ، وهذا في حدّ ذاته جهلٌ آخر يتركّب مع الجهل الأول لينتج ما يسمّى بالجهل المركّب . «لغتنامه دهخدا (بالفارسية)» .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 183952
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي