107
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1

وما أقلّ العلماء ـ على خلاف هذا النحوي ـ ممّن ليسوا فريسة الغرور العلمي ، وخاصّةً في المسائل العقائدية . أما المغرورون فالكلّ سواء ؛ ممّن لم يحقّقوا ومن اكتفى من البحر بالقطرة ، في أنهم يعلّقون نوط الاجتهاد على صدورهم ، ويعطون لأنفسهم الحقّ في إبداء الرأي ، حتّى فيما ليس من اختصاصهم .

أساس الاختلافات العقائدية

وهنا بالذات يكمن أحد الجذور الأصلية للاختلافات العقائدية والتضادّ بين النظريات المختلفة السّائدة على العالم ، وذلك هو إبداء من ليسوا من أهل الاختصاص آراءَهم وتطفّلهم على الرأي . فالجاهل ـ بما أنّه يعتبر نفسه عالما ـ يُبدي رأيهُ ، وغيره من الجهلاء ينجرّون لرأيهِ على زعم أنّه عالم ، بدون أن تكون مسألة تخصّصه في دائرة رأيهم ، فيقتدون به ، وهنا منشأ العقائد والنظريات المختلفة المتضادّة .
لقد روي عن الإمام علي عليه السلام كلام بهذا الخصوص ، لو أننا اعتبرناه من معجزات الإمام لما كنا مبالغين ، قال عليه السلام :
لَو سَكَتَ الجاهِلُ مَا اختَلَفَ النّاسُ.۱
فالحقّ ـ والحقّ يُقال ـ لو أمسك الجاهل عن إبداء رأيه فيما لا يعرف ولم يُقْحِمْ عالم رأيهُ فيما لا يختصّ به لارتفعت الخلافات الفكرية والعقائدية من البين ، ولالتقت الأفكار في رأي مشترك.
فلو التزم الجاهل في السوق والحوزة والجامعة وما إلى ذلك بالصمت والسكوت ، ولو كفَّ الجاهل عن التطفّل برأيه على الرأي السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وما إلى ذلك ، ولو كبح الجاهل جماحه عن التدخّل بالقول في الفلسفة

1.راجع : ص ۳۶۰ ح ۹۳۲ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
106

الآداب قد أحاط بكلّ شيءٌ علما ، وأنّ في إمكانه أن يحكم في أيّ مسألة كانت ويُظهر الرأي القاطع فيها .
وعالم الرياضيات يرى أنّ قبيله من الرياضيين هم العلماء بالإطلاق ، وأنّ لهم الحقّ في إبداء آرائهم في كلّ أمر من الاُمور المختلفة حتّى العقائدية والاجتماعية .
وهكذا الحال بالنسبة للفقيه والأصولي والفيلسوف والمفسّر وهلمّ جرّا ، فكلّ من تخصّص في فرعٍ من فروع العلم والمعرفة إذا ابتلى بالغرور العلمي ولم يعرف النسبة بين معلوماته ومجهولاته ولم يضع معلوماته في مكانها إزاء مجهولاته يزعم أنّه ما دام فكره في دائرة تخصّصه صائبا ، فلا يمكن إلَا أن يكون صائبا حتّى فيما يخرج عن دائرة اختصاصه ، ومن ثمَّ يعطي لنفسه الحقّ في إبداء الرأي في أيّ مسألة كانت .
يُحكى أنّ نحويًّا ركب سفينةً ، وأثناء الحديث بينه وبين الربّان شاقَه أن يتظاهر بعلمه وقدر هذا العلم وحتّى يشوّق الربّان على تعلّمه ، سأله قائلاً : هل تعلّمت النحو؟! فأجاب الربّان : كلّا!! فقال النحوي : لقد أضعتَ نصف عمرك!! إنّ من لم يتعلّم النحو أضاع عمره في الجهل وعدم المعرفة ، فإن أردت أن تفوز بالنصف الثاني من عمرك وجب عليك أن تحصل هذا العلم!!
ففكّر الربّان مَليًّا ، إلّا أن الجواب المناسب للردّ على هذا الأديب المغرور أعيى عليه ، وما هي إلا وعصفت الرياح وهاج البحر وغشيهم موجٌ كالظلل ، وغلب البحر السفينة على تعادلها يتقاذفها كلّ لحظة من صوب إلى صوب حتّى أشرفت على الغرق . التفت الربّان إلى النحوي فوجده قد فقَد نفسه هلعا ولم يعُد يدري يده من رجله! وكانت الفرصة المناسبة للإجابة على سؤاله ، فقال : يا اُستاذ ، هل تعلّمت السباحة؟ فأجاب النحوي : كلّا ، أنا لا اُجيدُ السباحة . فقال الربّان : لقد أضعت كلّ عمرك؛ فلا سبيل للنجاة الآن إلّا بالسباحة!!

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج1
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 184014
الصفحه من 480
طباعه  ارسل الي