وما أقلّ العلماء ـ على خلاف هذا النحوي ـ ممّن ليسوا فريسة الغرور العلمي ، وخاصّةً في المسائل العقائدية . أما المغرورون فالكلّ سواء ؛ ممّن لم يحقّقوا ومن اكتفى من البحر بالقطرة ، في أنهم يعلّقون نوط الاجتهاد على صدورهم ، ويعطون لأنفسهم الحقّ في إبداء الرأي ، حتّى فيما ليس من اختصاصهم .
أساس الاختلافات العقائدية
وهنا بالذات يكمن أحد الجذور الأصلية للاختلافات العقائدية والتضادّ بين النظريات المختلفة السّائدة على العالم ، وذلك هو إبداء من ليسوا من أهل الاختصاص آراءَهم وتطفّلهم على الرأي . فالجاهل ـ بما أنّه يعتبر نفسه عالما ـ يُبدي رأيهُ ، وغيره من الجهلاء ينجرّون لرأيهِ على زعم أنّه عالم ، بدون أن تكون مسألة تخصّصه في دائرة رأيهم ، فيقتدون به ، وهنا منشأ العقائد والنظريات المختلفة المتضادّة .
لقد روي عن الإمام علي عليه السلام كلام بهذا الخصوص ، لو أننا اعتبرناه من معجزات الإمام لما كنا مبالغين ، قال عليه السلام :
لَو سَكَتَ الجاهِلُ مَا اختَلَفَ النّاسُ.۱
فالحقّ ـ والحقّ يُقال ـ لو أمسك الجاهل عن إبداء رأيه فيما لا يعرف ولم يُقْحِمْ عالم رأيهُ فيما لا يختصّ به لارتفعت الخلافات الفكرية والعقائدية من البين ، ولالتقت الأفكار في رأي مشترك.
فلو التزم الجاهل في السوق والحوزة والجامعة وما إلى ذلك بالصمت والسكوت ، ولو كفَّ الجاهل عن التطفّل برأيه على الرأي السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وما إلى ذلك ، ولو كبح الجاهل جماحه عن التدخّل بالقول في الفلسفة