645
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

باب [في] أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلاّ بسبعة

في حديث حريز بن عبداللّه بن مسكان ۱

قوله عليه السلام في الحديث الأوّل : (بمشيئةٍ وإرادةٍ [وقدر وقضاء وإذن وكتاب وأجل] ) .
امّا تقدّم المشيئة على الإرادة والإرادةِ على القَدَر ، فظاهر لما تقرّر من الأحاديث السابقة أنّ المشيئة علّة للإرادة ، وهي علّة لغيرها .
وأمّا تقديم القدر على القضاء ، فيحتمل أن يكون من الراوي ، أو أنّ المراد وجوب الإقرار بهذا المجموع من حيث المجموع ؛ والعقلُ وكلامهم عليهم السلام يدلّ على الترتيب . وأمّا تأخّر الثلاثة الأُخر عن القدر ، فلأنّها من فروعه .
والرواية الأُخرى أيضا كذلك في التقديم والتأخير .

باب المشيئة والإرادة

في حديث عليّ بن إبراهيم الهاشمي ۲

قوله عليه السلام : (ابتداءُ الفِعْلِ ...) .
لمّا قال عليه السلام : (لا يَكونُ شيءٌ إلاّ ما شاءَ اللّه ُ وأرادَ ، وقَدَّرَ وقضى) ، سأله السائل عن معنى المشيئة أوّلاً ؛ لأنّ المتبادر من مثل هذا الكلام أنّ العبد ليس له فعل اختياري ، فأجابه عليه السلام أنّ معنى «شاء» ابتداء الفعل ، أي فعل أوّلَ ما يفعل ، وبهذا فسّرها الرضا عليه السلام في حديث يونس بن عبدالرحمن في باب الجبر والقدر بقوله «هي الذكر الأوّل» ۳ .
ثمّ فسّر الإرادة بالعزم ، ولاريب في أنّ التذكّر قبل العزم ، وهذا الحديث يدلّ
على الفرق بين المشيئة والإرادة . ولا يخفى عليك أنّ تذكّره تعالى ليس كتذكّرنا ؛ لمغايرة صفاته تعالى صفاتِنا .
واعلم أنّ المراد ـ واللّه أعلم ـ بقوله عليه السلام : «لا يكون شيء إلاّ ماشاء اللّه وأراد» التنبيهُ على أن علّة إرادته تعالى هي مشيئته لا مشيئة غيره ، فلابدّ من الإقرار بأنّه لا يكون شيء إلاّ بإرادته كما تدلّ عليه الأحاديث المتقدّمة أيضا ، بمعنى أنّه لا يكون واقعا ألبتّة شيء تعلّقت إرادته تعالى بعدم وقوعه ؛ لئلاّ يلزم غلبة إرادة الغير إرادته ، فلا يرد ما يقال من أنّ اللازم من الإقرار بأنّه لا يكون شيء إلاّ بإرادته أن لا يكون للعبد فعل ؛ لأنّ ذلك إنّما يلزم لو قلنا بأنّ إرادته متعلّقة بهذا الفعل فقط ، ونحن لا نقول به ، بل نقول : إنّ إرادته تعالى تعلّقت بتخيير المكلّف وتقويته على فعل الشيء وضدّه ، فأيَّهما فعل لا يكون خارجا ذلك الفعل عن إرادته وغالبا لها ؛ وذلك لأنّه تعالى إذا شاء وأعطانا عقلاً نميّز به بين ما يسخطه ويرضيه ، وأوضحها لنا ، وأقدرنا على الفعل والترك ، ووعد على الطاعة الثوابَ وعلى المعصية العقابَ ، فقد شاء جميع ما نفعله ، بمعنى أنّه ليس بعاجز عن جبرنا على عدم الفعل ، فخلقه القوّة ـ التي لابدّ منها قبل فعل الأشياء ـ مشيئتُه تعالى لابدّ وأن تكون متعلّقة بها ؛ لأنّه لو لم يشأ لم يخلقها ، وإنّما خلق القوّة العامّة ؛ لأنّ الثواب على الطاعة أكمل وألذّ على المُثاب من الثواب المبتدأ ، بل لا يسمّى ذلك ثوابا ، وهو أليق بجنابه تعالى ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعد التمكّن من الشيء وضدّه حتّى يتحقّق الطاعة عند ترك الضدّ ، فبعد وضوح الدلالات وقيام البيّنات ، فإلقاء النفس إلى التهلكة موجب لتضاعف العذاب وشدّة العقاب ، نسأل اللّه النجاة .
وما ذكره المتكلّمون ـ من أنّ ما أراده اللّه تعالى يجب وقوعه ، وأنّ إرادة القبيح قبيحة وهو تعالى منزّه عنه ـ لا ينافي هذا ؛ لأنّه إنّما أراد تخيير المكلّف وتقويته على فعل المأمور به والمنهيّ عنه ، ولاريب في حُسنه وقبح ترك الحَسَن . وسيأتي من الأحاديث ما يدلّ على جميع ما ذكرناه .
ثمّ لمّا كان لفظ «قدّر» له معانٍ مختلفةٌ ، سأله عليه السلام عمّا عناه ، فقال : (بتقدير ۴ الشيء مِنْ طوله وعَرْضه) أي بتدبير الشيء وإخراجه إلى الوجود متّصفا بجميع أوصافه التي هي من تمام الحكمة التي قلّ من يطّلع على قليل منها من طوله وعرضه وأشباه ذلك ، ف «من» للتبعيض متعلّقة ب «تقدير» ، وقريب منه تعبير الرضا عليه السلام في الحديث المذكور .
ثمّ لمّا كان القضاء شاملاً للقضاء بالإمضاء وما هو أعمُّ منه ، سأله عن المعنى المراد ، فأجاب عليه السلام بقوله : (إذا قضى أمضاه) أي لا يكون شيء إلاّ إذا قضى أمضاه ، فالإمضاء مصدر مفعول «قضى» وإنّما فسّر القضاء بهذا لأنّ كلّ كائن موجودٍ لابدّ وأن يكون قضاه ماضيا ، فلهذا قال عليه السلام : (فذلك الذي لا مَرَدَّ له) أي الكائن الموجود المعيّن معلوم أنّه لا مردّ له ، والقضاء الذي لا مردّ له هو القضاء الممضى .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۴۹ ، ح۱ .

2.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۰ ، ح۱ .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۵۷ ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح۴ .

4.في الكافي المطبوع : «تقدير» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
644
  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84024
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي