619
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
618

باب جوامع التوحيد

في خطبة أمير المؤمنين عليه السلام ۱

قوله عليه السلام : (الصَمَدِ المُتَفَرِّدِ) .
لمّا كان الصمد بمعنى المقصود ، وكان من لوازم الحكيم المقصود قضاءُ حاجة من قصده إمّا بنفسه أو بإعانة غيره ، نَبَّهَ عليه السلام على أنّه تعالى متفرّد في قضاء حوائج المحتاجين من دون شريك ولا معين ؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لكان محتاجا ، فلا يكون المقصودَ على الإطلاق .
قوله عليه السلام : (لا مِنْ شيءٍ كان ، ولا مِنْ شيءٍ خَلَقَ ما كانَ) .
المراد ما فسّره به عليه السلام في قوله : «وهذه الخطبة ...» ويحتمل أن يكون من كلام المصنّف أو الراوي .
قوله في تفسيره : (فنَفى بقوله : «لا مِنْ شيء كانَ» معنى الحدوثِ) .
وذلك لأنّه لوكان كونه حادثا لكان من شيء ، أي كان صادرا من شيء ؛ ضرورة افتقار الحادث إلى مؤثّر وخالق ، فهو تعالى قديم ، فقوله : «لا من شيء» دالّ على قدمه ، ولا يخفى كون «لا من شيء» خبر «كان» .
قوله في تفسيره : (وكيف أوْقَعَ على ما أحدَثَه صِفَةَ الخَلْقِ والاختراعِ بلا أصْلٍ ولا مِثالٍ) . «كيف» مفعول «ترون» مقدّرة معطوفة على «ترون» الأوّل ، أي وألا ترون كيفيّة إيقاعه على ما أحدثه صفة الخلق والاختراع بلا أصل ، فإنّه قال : «لا من شيء» .
قوله في التفسير : (نفيا لقولِ مَن قالَ ...) .
الحاصل : أنّه لمّا كانت الثنويّة تقول : إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق الأشياء من أصل قديم ، فلا يكون تدبير «إلاّ باحتذاء مثال» ، أي باقتداء بمثال ، وكان دليلهم على ذلك قولَهم : «لا يخلو من أن يكونَ الخالِقُ خلَق الأشياءَ مِنْ شيءٍ ، أو مِنْ لا شيء» ، فهو إحالةٌ ، أي قول بالمحال ؛ لأنّ «لا شيء» عدمٌ محض ، فلا يكون مصدرا وعلّة مادّيّة لشيء ؛ فلزم أن يكون من شيء .
وأمّا القول بأنّه قديم ؛ فذلك لأنّه لوكان حادثا ردّد فيه الكلام كما فعل ، فيلزم التسلسل أو الدور ، ردّ عليه السلام عليهم ، ونفى ماردّدوا الكلام فيه ، فقال : «إنّما خلق الأشياء لا من شيء» ، فأدخل النفي على «مِن» ، فنفى الشيء ، وترديدُهم إنّما كان يتمّ بعد القول بأنّه خلق من شيء ، وأنّ ذلك هو شيء أو لا شيء .
والحاصل : أنّ خَلْقه تعالى الأشياء لا بشرط ، فانتفى كونه بشرط شيء أو بشرط لا شيء . والدليل على أنّه لا من شيء أنّه لو كان من شيء ، فإمّا أن يكون ذلك الشيء حادثا أحْدَثَه الخالق عزّ وجلّ ، أو قديما ؛ والثاني باطل ؛ للزوم تعدّد القدماء ، وقد برهن على استحالته . والأوّل ننقل الكلام إلى ما حدَث منه حتّى يلزم كونه حادثا لا من شيء .
وجميع ما ذكرته يظهر من كلامه عليه السلام بعد التأمّل . فقوله عليه السلام : «ما كان» ، أي جميع ما تكوّن ووجد .
وقوله عليه السلام : (قدرةٌ بانَ بها من الأشياء) .
لما كانت قدرته تعالى قدرة ظهرت بسببها الأشياء ؛ لأنّها السبب في حدوث الأشياء اختراعا وابتداعا من غير أصل ولا مادّة ، فهي كالسبب ؛ لبُعْدِه وتنزهّه عن مشابهة الأشياء .
قوله عليه السلام : (وبسببها۲بانت الأشياء منه) .
أي بعدت عن مشابهته ؛ لأنّ الأشياء كلّها عاجزة مفتقرة .
قوله عليه السلام : (فَلَيْسَتْ له صفةٌ تُنالُ) أي إذا ظهر مباينته لجميع الأشياء، علم أنّه تعالى ليست له صفة تنال ؛ لأنّ صفات الشيء إنّما تدرك وتعلم بالمشاهدة أو بالمشابهة ، والمشاهدة غير جائزة ، وكذلك المشابهة ، فبانتفاء السبب ينتفى المسبّب .
قوله عليه السلام : (ولا حَدٌّ تُضرَبُ۳فيه الأمثالُ) .
أي ودلّت ۴ عدم مشابهته للأشياء على نفي هذا الحدّ الخاصّ أيضا عنه ؛ لأنّه فرع المشابهة ، لا الحدّ مطلقا ؛ لأنّ له تعالى حدّ ۵ وكيفيّة مباينة لجميع الحدود والكيفيّات ، لا يعلمها سواه تعالى ؛ فلهذا خصّصه .
قوله عليه السلام : (كَلَّ دونَ صفاتِه تحبيرُ اللغاتِ) .
«كلّ» أي أعيا ، و «تحبير كلّ شيء» : تحسينه ، أي أعيت عن إحصاء صفاته اللغاتُ الحسنة ؛ لإفادة الجمع المعرّفِ العمومَ .
قوله عليه السلام : (وضَلَّ هُناك) .
أي دون صفاته تعالى . وإنّما أتى بإشارة البعيد لبُعْد صفاته تعالى عن الأوهام .
قوله عليه السلام : (وحالَ دونَ غَيْبِهِ المكنونِ حُجُبٌ من الغيوبِ ، تاهَتْ في أدنى أدانيها طامِحاتُ العقولِ في لطيفاتِ الأُمورِ) .
أي إنّ كون العقول الطامحة في الأُمور اللطيفة تاهت في إدراك أدنى أداني بعض غيوبه التي أظهرها لبعض أنبيائه ومن اجتباهم من خلقه دليلٌ على عدم إمكان إدراك الغيوب المكنونة على الإطلاق . وهذا أيضا كالسبب ؛ لأنّ العجز عن إدراك الأظهر كالسبب ۶ للعجز عن إدراك الأخفى ، ف «حجب» فاعل «حالَ» ، و «من الغيوب» صفته ، والجارّ في لطيفات الأُمور متعلّق ب «طامحات» ، و «طمح في الطلب» ، أي أبعد ، وكلّ مرتفع طامح .
قوله عليه السلام : (فَتَبارَكَ۷الذي لا تَبْلُغُه۸بُعْدُ الهِمَمِ) .
في القاموس : الهمّة ـ بالكسر وتفتح ـ ما همّ به من أمر ليفعل ۹ ، أي لوذهبت الهمم كلَّ مذهب وبعدت ، لا تبلغه ولا تصل إلى كنه صفاته ؛ فالمراد ببعد الهمم تباعدها ، أو الهمم البعيدة ، أي الطالبة لفعل الأشياء البعيدة الحصول .
قوله عليه السلام : (ولا تَنالُه۱۰غَوْصُ الفِطَنِ) .
«الغوص» : النزول تحت الماء ، أي لوغاصت جميع الفطن في بحار الأفكار ما نالته بوصف تقف عليه ولا تتجاوزه .
قوله عليه السلام : (وتَعالَى اللّه ُ۱۱الذي لَيْسَ له وَقْتُ مَعْدودٌ) .
يعني أنّه سبحانه وتعالى لا يشغله شاغل ، ولا يلهبه شيء ، ولا يتغيّر بشيء ، فهو في جميع الأوقات يسمع من دَعاه ، ويُجيب المضطرّ ، ويَكشف الضرّ ، ليس له وقت معدود لأفعاله كما هو لسائر المخلوقات .
قوله عليه السلام : (سبحانَ الذي ليس له أوّلٌ مُبْتَدَأٌ ...) .
إنّما فسّر الأوّل المنفيّ عنه بالمبتدأ ، والغاية بالمنتهى ، والآخر بكونه يفنى ؛ لأنّ الأوّل والآخر بغير هذا المعنى يطلق عليه تعالى كما تقدّم .
قوله عليه السلام : (سبحانه و۱۲هو كما وصف نفسه) .
قال عزّ وجلّ: «لاَّ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَـارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ »۱۳. وقد تقدّم ت فسيره ، وأنّ المراد بالأبصار الأوهام .
قوله عليه السلام : (حَدَّ الأشياءَ كُلَّها عند خَلْقِه ...) .
أي لمّا خلق اللّه تبارك وتعالى الأشياء جعل لكلّ واحد واحد منها حدّا وعلامة (إبانةً لها مِنْ شِبْهِه) ، أي إبعادَ التوهّم أنّها مشابهة له ، (وإبانةً له من شِبْهِها) ، أي لأجل أن ينزّه من شبهها ، لا فيها من الدلائل الظاهرة الدالّة على احتياجها وافتقارها إلى خالق ومدبّر .
ثمّ لمّا كان لفظ الإبانة يوهم الانفصال بعد الاتّصال قال عليه السلام : (فلَمْ يَحْلُلْ۱۴فيها ، فيقالَ : هو فيها كائنٌ ...) .
ثمّ لمّا أوهم نفي الكون فيها وعدم البعد عنها أنّ له مكانا آخر قريبا منها قال عليه السلام : (لم يَخْلُ منها ، فيقالَ له : أينَ ، لكنّه سبحانه أحاطَ بها علمُه ...) . فبيّن أنّ المراد بالخلوّ عنها وعدم البعد الخلوّ عنها وإحاطة علمه وقدرته بها ، لا ما يسبق إلى بادئ الرأي من هذه الألفاظ .
قوله عليه السلام : (لكلّ شَيْءٍ منها حافظٌ ورقيبٌ) أيإنّ كلّ شيء من الأشياء له حافظ ورقيب .
ثمّ بيّن بقوله : (وكلُّ شَيْءٍ منها بِشيءٍ محيطٌ) أنّ ذلك الحافظ هو من الأشياء المخلوقة ، وأنّه تعالى خَلَقَ جميع الأشياء خَلْقا يَحتاجُ كلّ منهم في بقائه وتأثيره الأثر الذي قدّره اللّه له إلى الآخر .
ثمّ بيّن عليه السلام أنّ المحيط العالم بجميع الأشياء القادر الخالق لها هو اللّه تبارك وتعالى بقوله : (والمحيطُ بما أحاطَ منها الواحدُ الأحدُ الصَمَدُ ...) .
وإنّما خصّ الإحاطة بالأشياء المحيطة في قوله : «والمحيط بما أحاط» ، أي بالذي أحاط ؛ لأنّ جميع الأشياء موصوفة بهذا الوصف مجملاً ، كما بيّنه عليه السلام ؛ ولأنّ المحيط بالمحيط محيطٌ بالمحاط أيضا .
قوله عليه السلام : (ولا يَتَكَأّدُهُ صُنْعُ شيءٍ) .
أي إنّه تعالى ليس يحتاج في خلق الأشياء وإيجادها إلى تعب وإلحاح في السعي كما يحتاج إليه المخلوق «إِنَّمَآ أَمْرُهُو إِذَآ أَرَادَ شَيْـئا أَن يَقُولَ لَهُو كُن فَيَكُونُ»۱۵ .
قوله عليه السلام : (ابْتَدَعَ ما خَلَقَ بلا مِثالٍ سَبَقَ ...) .
استدلّ عليه السلام على أنّ خلقه الأشياء من غير تعب ولا نَصَب بأنّ المحتاج إلى ذلك من اقتدى في خلقه مثالاً وصورة مسبوقة على الخلق ، وأمّا اللّه تعالى فإنّه خلَق الأشياء من دون مثال وصورة مسبوقة حذا حَذْوَها .
ثمّ لمّا كان لفظ الصانع والعالم يطلق على غيره سبحانه ، نَبَّهَ عليه السلام على الفرق فقال : (وكلُّ صانعِ شيءٍ فمِنْ شيءٍ صَنَعَ ...) أي إنّ صنع غيره لابدّ وأن يكون من شيء ، بخلاف صُنعه تعالى ، فإنّه ابتداع ، وعلمه تعالى قديم غير مسبوق بالجهل .
ثمّ لمّا كان ربّما يقال : إنّ العلم لابُدَّ له من معلوم ، وجميع المعلومات حادثة ، فكيف يكون العلم قديما ؟! قال عليه السلام : (أحاطَ بالأشياء عِلْما قبلَ كَوْنِها) .
فنبّه على أنّه لا ملازمة بين العلم والمعلوم في الوجود الخارجي ، بل هو بالأشياء التي لم تقع إنّما يكون بالاستدلال عليه بالحادث الموجود ، كقولنا مثلاً : هذه الشجرة ظهر نورها ، وكلّ شجرة ظهر نورها تثمر غالبا ، فهذه الشجرة تثمر . فحصول العلم بأنّ هذه الشجرة تثمر حصل من التفكّر في هذا الحادث ، وهو النور ، وعلمه تعالى ليس كذلك ؛ لأنّه كان قبل جميع الكائنات .
ثمّ لمّا كانت أفعالنا توصف بالإصابة والخطأ ـ أي بإصابة ما قصدنا فعل الشيء له ولتحصيله ، أو عدمِها ـ وكان عدم فعلنا الشيء القادرين على فعله غير المنهيّين عنه ، والممنوعين منه لشبهة تدخل علينا فيه ، أخبر عليه السلام بالمباينة بين صفتنا وصفته ، فقال : (أصابَ ما خَلَقَ ، ولا شُبْهَةٍ دَخَلَتْ عليه فيما لم يَخْلُقْ) .
قوله عليه السلام : (وخَصَّ نفسَه بالوحدانيّة) أي لم يخلق شيئا يكون واحدا من جميع الجهات .
قوله عليه السلام : (واسْتَخْلَصَ المجد۱۶والثناء) أي اتّصف باستحقاق المجد والثناء خالصا من مشاركة شريك فيه والمجدُ : نيل الشرف والكرم . القاموس . ۱۷
قوله عليه السلام : (فليس له فيما خَلَقَ ضِدٌّ ...) .
لمّا كان من لوازم المشاركة في المُلك المجاورةَ ، فنفي المجاورة يدلّ على نفي المشاركة ، لكنّ الإمام عليه السلام لمّا أراد أن ينبّه على لزومهما ، ويصرّح بأنّه تعالى ليس له ضدّ ولا ندّ ولا شريك ، قال : «فليس له ...» ، واللّه أعلم بمقاصد أوليائه عليهم السلام .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۳۴ ، ح۱ .

2.في الكافي المطبوع : - «بسببها» .

3.في الكافي المطبوع : + «له» .

4.كذا ، والصحيح : «دلّ» .

5.كذا ، والصحيح : «حدّا» .

6.والمراد هو السبب في الإثبات ، دون الثبوت .

7.كذا في بعض نسخ الكافي وشرح المازندراني والوافي ، ج۱ ، ص۴۲۷ . وفي الكافي المطبوع وبعض نسخ أُخرى للكافي : + «اللّه » .

8.في الكافي المطبوع : «لا يبلغه» .

9.القاموس المحيط ، ج۴ ، ص۱۹۲ (همم) .

10.في الكافي المطبوع : «لا يناله» .

11.كذا في التوحيد للصدوق ، ص ۴۱ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ۳ . وفي الكافي المطبوع وكثير من نسخه : - «اللّه ».

12.في الكافي المطبوع : - «و» .

13.الأنعام (۶) : ۱۰۳ .

14.هكذا في كثير من نسخ الكافي ، وفي الكافي المطبوع : «لم يحلل» .

15.يس (۳۶) : ۸۲ .

16.كذا في بعض نسخ الكافي ، وفي كثير من نسخ الكافي والمطبوع : «بالمجد» .

17.القاموس المحيط ، ج۱ ، ص۳۳۶ (مجد) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 86114
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي