577
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

باب حدوث الأسماء

في حديث إبراهيم بن عُمَر ۱

قوله عليه السلام : (بالحروفِ غيرَ مُتَصَوَّتٍ ...) .
صفةٌ للجنس ۲ الذي هو الاسم المفهوم من الأسماء ، وإنّما لم يطابق الأسماء ليكون صفة لها للدلالة على أنّ كلّ واحد منها موصوف بهذه ، لا أنّ المجموع من حيث المجموع موصوف بها ؛ لأنّه يوهم اختصاص كلّ بعض منها ببعض . أو خبر ۳ مبتدأ محذوف هو ضمير عائد إلى الاسم لا إلى الأسماء ؛ يلزم مخالفة الخبر للمبتدأ .
ولا يجوز ـ واللّه أعلم ـ كون «اسما» مفردا ؛ لأنّه لو كان مفردا ، لزم أن يكون الأسماء خمسةً : المجموعَ من حيث المجموع ، والأجزاءَ الأربعة ، وعلى هذا يكون المحجوب اسمين : الاسمَ الذي هو أحد الأجزاء ، والاسمَ الذي هو مجموعها . وقد صرّح عليه السلام بأنّ الظاهر ثلاثة والمحجوب واحد ، فيكون المجموع أربعةً ، فيكون جمعا لا مفردا ؛ فليتأمّل .
وقوله عليه السلام : (فجَعَلَهُ كلمةً تامّةً) أي جعل كلّ اسم من الأسماء كلمة تامّة لا احتياج لها إلى الآخر .
وقوله عليه السلام : (على أربعةِ أجزاءٍ) صفة للأسماء ، أي خلق أسماءً موصوفة بكونها ـ أي المجموعِ من حيث المجموع ـ على أربعة أجزاء معا ، ليس منها واحد قبل الآخر في الخلق ، بل خلقها مرّة واحدة ؛ وذلك لأنّ أفعاله لا تنفكّ عن الحكمة المقتضيّة لها ، وقبل خَلْق الخلق لم تكن حاجة إلى الأسماء ، وبعد الخلق وحصول الداعي احتيج إلى الجميع ، فوجب إيجاد الجميع مرّة واحدة لئلاّ يتخلّف موجَب الحكمة عنها .
ولا ينافيه قوله عليه السلام في الحديث الآتي «فأوّل ما اختار لنفسه العليّ العظيم» ؛ لأنّه من أسماء أركان الأجزاء .
قوله عليه السلام : (فأظْهَرَ منها ثلاثةَ أسماءٍ ...) .
أي أظهر لجميع الخلق ، لا أنّ الإظهار مطلقا مختصّ بهما ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام : (فَهذِهِ الأسماءُ التي ظَهَرَتْ) .
أي هذه الأسماء الثلاثة جميع الأسماء بدلالة «ال» عليه التي ظهرت بعد أن لم تكن ، وهي ثلاثمائة وستّون اسما ، ف «الأسماء» خبر «هذه» وقوله عليه السلام : «التي ظهرت» صفة الأسماء .
والحاصل : أنّه لمّا أخبر عليه السلام أنّ الأسماء على أربعة أجزاء ، وأنّ الظاهر منها هو ثلاثة ، أخبر عليه السلام بأنّ هذه الثلاثة هي جميع الأسماء التي ظهرت ، ثمّ لمّا كان هذا
بحسب الظاهر لا يخلو من إشكال ـ وهي ۴ كون جميع الأسماء الظاهرة المتداولة وهي ثلاثمائة وستّون اسما هي نفس هذه الثلاثة لا تخرج عنها ولا تتجاوزها ـ بيّنه عليه السلام بقوله : (وسَخَّرَ۵لكلّ اسمٍ من هذه ...) .
قوله عليه السلام : (فَالظاهِرُ هو اللّه ُ تَعالى۶) .
يحتمل أن يكون المعنى : أنّ ظهور الاسم لابدّ وأن يدلّ على ظهور شيء ، فذلك الظاهر هو اللّه تعالى ؛ أو يكون المعنى : أنّك إذا علمت أنّ الأسماء خَلْق من خلقه ، وتقرّر عندك أنّها مخلوقة وأنّ ظهورها حادث ، فالظاهر القديم الخالق لها الذي لا يوصف بالحدوث هو اللّه تعالى ، أي الذات القديمة المستوجبة لجميع صفات الكمال .
قوله عليه السلام : (فَهِيَ نِسبَةٌ لهذه الأسماء الثلاثةِ) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ هذه الأسماء الثلاثمائة والستّين تُعلم وتَظهر تلك الأسماء الثلاثة لنا بها ، وذلك لأنّ الشيء ، إنّما يعلم بالمشاهد أو سماع الصوت أو اللمس إلى غير ذلك من إدراكات الحواسّ ، أو بالعلم بالأشياء المنسوبة إليه ، ولمّا كانت الحواسّ كلّها عاجزة عن الوصول إليها ـ لما ذكره عليه السلام في أوّل الحديث ـ أظهرَ اللّه تبارك وتعالى لنا نسبتها لنتوصّل بها إليها ؛ واللّه أعلم .
فإن قيل : يمكن أن يكون قوله عليه السلام : «بالحروفِ غير متصوَّتٍ ...» حالاً من فاعل «خلق» فتكون ظاهرةً هي وأسماء أركانها معا .
قلنا : فحينئذٍ يكون الأسماء الظاهرة ثلاثمائة وثلاثا وستّين ، وكلامه عليه السلام صريح في أنّها ثلاثمائة وستّون .
قوله عليه السلام : (وهذه الأسماءُ الثلاثةُ أركانٌ ، وحَجَبَ [الاسم الواحد المكنون المخزون] ...) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّه كما أنّ هذه الأسماء الثلاثة لها أركان يعتمد الوصول إليها عليها ، كذلك هي بنفسها أركان وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون .
أمّا كونها أركانا ، فلأنّه لا يمكن الوصول إليه إلاّ بها ؛ وأمّا كونها حجبا ، فلأنّه لمّا كانت لا تدرك بالحواسّ ؛ لما بيّنه عليه السلام فكذلك ما هي ركن له لا يمكن إدراكه ؛ لتوقّف إدراكه على إدراكها وهو ممتنع ، فكونها ركنا له حاجب عن الظهور .
وقوله عليه السلام : (بهذه الأسماءِ الثلاثةِ) .
الباء في «بهذه» للسببيّة ، وهي متعلّقة بالمكنون المخزون ، أي هي سبب لجعله مكنونا ومخزونا ؛ وذلك لأنّ ظهور هذه الأسماء سببها التوصّل إليه تعالى في الدعاء بها ، فالمطلوب التوصّل ، وهو يحصل بأيّ اسم كان ، فأغنى ظهورها عن إظهار الإسم المكنون المخزون .
فإن قيل : التوصّل كان يحصل بواحد منها فلو كان المطلوب التوصّل فقط ، لأغنى إظهار واحد منها عن إظهار الجميع ، فلِمَ أظهر ثلاثة ؟!
قلنا : أمّا الأربعة فمشتركة في أنّ ما يحتاج إليه الخلق جميعهم يحصل بأيّ واحد كان منها ؛ وأمّا الواحد المخزون المكنون فليس يحتاج إليه الجميع ، فأغنى إظهار الثلاثة عن إظهاره ؛ وأمّا إظهار بعض الثلاثة فترجيح من غير مرجّح ؛ لأنّها متساوية في عموم الفائدة .
وقد فسّر عليه السلام معنى هذه العبارة بقوله : (وذلك قولُه تعالى :« قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى »۷) أي الأسماء الحسنى كلّها من أسمائه تعالى ، ولا تفاوت بين أسمائه ؛ لأنّها كلّها للوصول إليه ودعائه بها ، فادعوه بأيّ اسم شئتم منها : باللّه ، أو بالرحمان ، أو بغيرهما ؛ واللّه أعلم .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۲ ، ح۱ .

2.والمراد توجيه عدم المطابقة بين الصفة والموصوف ، فإنّ لحاظها يقتضي أن يقول : «بالحروف غير متصوّتة» .

3.أي قوله : «غير متصوّت» خبر لمبتدأ محذوف .

4.كذا ، والصحيح : «وهو» .

5.في الكافي المطبوع : + «سبحانه» .

6.في الكافي المطبوع : «تبارك وتعالى» .

7.الإسراء (۱۷) : ۱۱۰ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
576

في حديث صفوان [بن] يحيى ۱

قوله عليه السلام : (بلا لَفْظٍ ...) .
أي : قوله بلا لفظ ۲ ، ولا نُطقٍ بلسانٍ ، وليس كقولنا في أنّه لا بدّ له من هذه اللوازم .
و قوله عليه السلام : (لا كيْفَ لذلك ، كما أنَّه لا كيْفَ له) يدلّ على أنّ القول قديم ، وهو صفة عين الذات ، فكما أنّه ليس له كيفٌ من هذه الكيفيّات الحادثة ، ليس لقوله أيضا كيفٌ .
فإن قيل : هذا يدلّ على أنّه إذا كان القول ، كان الكائن ، فيلزم كون الكائنات بعد وجود القول بلا فاصلة ، فيكون معه ، فيلزم قدمها أو حدوثه .
قلنا : المفهوم من هذا إذا كان «كن» كان الكائن و«كن» مقول ، لا إذا كان القول كان الكائن ، فعلى هذا يكون الحادث «كن» ؛ لأنّه نفس الكائن ، كما أنّ الإرادة نفس المراد لا القولَ .

في حديث عُمَر بن أُذَنية ۳

قوله عليه السلام : (خَلَقَ۴المشيئةَ بنَفْسِها) .
أي من غير أن يخلق لها سببا ؛ وذلك لأنّ جميع الأشياء حادثة ، والحادث
علّته مشيئته ، فلو كان للمشيئة علّة سواه تعالى كانت مشيئةً أُخرى غيرَها ، وهلمّ جرّا ، فيلزم الدور أو التسلسل .
وقوله عليه السلام : (وخَلَقَ۵الأشياءَ بالمشيئةِ) .
أي جعل المشيئة علّة وسببا لخلقها .
في الكلام المصنّف قدّس اللّه روحه : ([إنّ] كلَّ شيئينِ وَصَفْتَ اللّه َ بهما) . ۶
أي كلّ شيئين متضادّين كالإرادة وعدمها وأمثاله ممّا مثّل به .
وقوله : (وكانا جَميعا في الوجودِ[ ، فذلك صفةُ فِعْلٍ] ) .
أي كان اللّه تعالى موصوفا بهما معا ، أي وصْفه بهما جايز ، وليعلم أنّه لا بدّ في الجواز من اختلاف مكانهما ، أي متعلّقهما وزمانهما كأن يريد هذا ولا يريد ذاك ، أو في هذا الوقت لا في غيره .

1.الكافي ، ج۱ ، ص۱۰۹ ـ ۱۱۰ ، ح۳ .

2.والمراد أنّ «بلا لفظ» خبر لمبتدأ مقدّر ، وهو كلمة «قوله» .

3.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۰ ، ح۴ .

4.في الكافي المطبوع : + «اللّه » .

5.في الكافي المطبوع : «ثمّ خلق» بدل «وخلق» .

6.الكافي ، ج۱ ، ص۱۱۱ ، جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84018
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي