237
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.ومُتعلِّمٍ من عالِم على سبيل هُدًى من اللّه ونَجاةٍ ، ثمَّ هلكَ من ادَّعى ، وخابَ من افْتَرى» .

وقوله عليه السلام : «ثمّ هلك من ادّعى ، وخاب من افترى» .
يحتمل أن يكون «ثمّ» فيه بفتح المثلّثة بمعنى «هنالك» أو «هناك» ، فكأنّه عليه السلام بعد أن ذكر الأقسام قال «ثَمّ هلك ...» أي في ذلك القسم الذي هو محلّ البعد عن الخير والصواب ومتابعة الحقّ وأهله وَقَعَ الهلاك بالدعوي لغير الحقّ ، والخيبة للمفتري بالافتراء عليهم .
فذِكْر من ادّعى وافترى لبيان سوء حالهم وقبيح صفاتهم ، أو يكون إشارة إلى الآخرة ، أو إلى ظهور أثره فيها .
والإشارة إلى محلّ النجاة الذي هو الآخرة أقرب لفظاً ومعنى .
وعلى التقادير فالماضي لتحقّق الوقوع وإرادته ـ واللّه أعلم ـ فهو إخبار .
ويحتمل أن يكون «ثمّ» بالضمّ بتقدير : ثمّ يقول ، أو قال ، فيكون «ثمّ» من كلام الراوي ، ويحتمل أن يكون من كلامه عليه السلام من غير تقدير .
والإتيان ب «ثمّ» لتغاير ما قبلها وما بعدها بالخبريّة والإنشائيّة ، وتأخّر وقت الهلاك لأنّه في الآخرة ، وهلاك الدنيا معه غير معلوم إرادته مع احتماله ، وهو كماترى .
ونحوه في الاختلاف بالخبريّة والإنشائيّة مالو كان من كلام الراوي ، وهو إنشاء للدعاء على من فعل ذلك ، ويحتمل بعيداً الإخبار ؛ واللّه تعالى أعلم .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
236

باب أصناف الناس

۱.عليُّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ؛ ومحمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي اُسامة ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاقَ السَّبيعيّ ، عمّن حدّثه ممّن يوثَقُ به ، قال : سمعتُ أميرَالمؤمنين عليه السلام يقول :«إنّ الناسَ آلوا بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى ثلاثة : آلوا إلى عالِم على هُدًى من اللّه قد أغناه اللّه ُ بماص 34
عَلِمَ عن عِلْم غيره،وجاهلٍ مُدَّع للعلم لا عِلْمَ له ، مُعجَبٍ بما عنده قد فَتَنَتْهُ الدنيا وفَتَنَ غيرَهُ،

ولا يناسب كون صاحب الألف غير عارف ، نعم قد تتفاوت المعرفة فيتفاوت المقدار .
وإمّا باختلاف مراتب العُبّاد بكثرة العبادة وقلّتها ، أو بزيادة الإخلاص ونقصه ، أو بما معها شيء من العلم ، كما يفهم من قول الراوي : «ولعلّ عابدا من شيعتكم ليست له هذه الرواية» ونحو ذلك .
و«الراوية» مبالغة لكثير الرواية ، وفي بعض النسخ : «رواية» فهو من باب «رجل عدل» وإنّما هي إقبال وإدبار .

باب أصناف الناس

قوله عليه السلام في حديث أبي إسحاق السبيعي : (إنّ الناسَ آلوا بعدَ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله إلى ثلاثةٍ : آلوا إلى عالمٍ على هُدًى من اللّه ِ قد أغناه اللّه ُ بما عَلِمَ عن عِلْمِ غيره ، وجاهلٍ مُدَّعٍ للعلم لا عِلْمَ له ، مُعجَبٍ بما عنده قد فَتَنَتْهُ الدنيا وفَتَنَ غيرَه ، ومُتَعَلِّمٍ من عالمٍ على سبيلِ هُدًى من اللّه ونَجاةٍ ، ثمّ هَلَكَ مَن ادَّعى ، وخابَ مَن افْتَرى) .
قوله عليه السلام : «إنّ الناس آلوا ...» يحتمل وجهين : أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أنّ الناس
بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله رجعوا إلى ثلاثة أقسام.والثاني أنّهم رجعوا بعده صلى الله عليه و آله إلى هؤلاء الثلاثة بعد أن كانوا في حياته يرجعون إليه فقط ، وإن كان بعضهم رجوعه بحسب الظاهر . واحتمال قسم رابع ۱ على هذا يقابل الثالث أغنى عنه قوله «وفتن غيره» .
أحد الأقسام : عالم كائن على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بما علم عن علم غيره ، أي عن أن يحتاج إلى أخذ العلم عن غيره على نحو أخذ الناس بعضهم من بعض . وهو الإمام المعصوم المفترض الطاعة ، فإنّه الموصوف بهذه الأوصاف .
والثاني : جاهل مدّع للعلم لاعلم له معجَبٌ ـ بالبناء للمفعول ـ قد سوّل له الشيطان وهواه العجب بذلك ، وهو من لم يتمسّك بحبلهم وسلك غير طريقتهم ، عالماً بأنّ الحقّ لهم ومعهم ، فقد افتتن بالدنيا وترك طاعتهم لذلك ، وفتن غيره بإضلاله عن الحقّ .
ولم يقل عليه السلام «وفتن غيره بالدنيا» كما قال فيه ؛ لأنّه هو افتتن بالدنيا وترك الآخرة لها ، وغيره قد يكون افتتانه للدنيا وقد لا تكون الدنيا ملحوظة له ، كافتتان الغافلين والجاهلين الذين لا معرفة لهم ولم يتفحّصوا عن الحقّ وأهله ، بل رأوا انقياد أشباه الناس إليهم ، فتابعوهم على ذلك من غير تفتيش عن حقيقة الأمر .
والثالث : المتعلّم من العالم ، وهو المتعلّم منهم عليهم السلام ، بواسطة أو بغيرها .
وإخباره عليه السلام بانقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة كان في زمنه عليه السلام ، والظاهر استمرار هذا بعده أيضاً ، وإن تشعّب بعض الأقسام شُعَباً وتفرّق فرقاً .

1.في «ج» : «آخر» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84015
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي