19
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
18

أحداث مؤلمة:

تقدّم أنّ والد المترجم الشيخ محمّد بن حسن قدس سره قد سافر إلى العراق وكان لمترجمنا ستّ سنين من العمر. ثمّ جرت لهم بعض الحوادث المؤلمة، فقد احترق لهم نحو ألف كتاب، ووقع على بلادهم فتور عظيم ممّا اضطرّهم أن ينتقلوا إلى كرك نوح عليه السلام ۱ ، فأقاموا بها مدّة، ثمّ سافر أخوه إلى العراق وكان في سنّ الاثنتي عشرة سنة تقريبا. وبعدها بمدّة أثكل بوفاة والده حيث وافاه الأجل في سنة 1030 هجريّة ۲ ، فشاءت الأقدار أن يصبح المترجم يتيما وهو في مطلع بلوغه، فيعيش معترك الحياة فاقدا لأبيه، ولكن هذه الحوادث المؤلمة لم تمنعه من مواصلة درسه، بل شدّت من عزيمته وقوّت إرادته حتّى نال من العلوم ما نال، فلّله درّه وعليه أجره.

سفره إلى مكّة:

سافر شيخنا المترجم إلى مكّة المكرّمة بعد وفاة والده، وذلك في سنة 1032 أو 1033 هجريّة، وكان عمره إذ ذاك نحو ستّ عشرة سنة ۳ ، فإنّه كان يشعر بأنّه
قد ارتوى بعض الشيء من العلم والمعرفة، وتاقت روحه السامية إلى مهبط الوحي، ومهد الرسالة الخالدة مكّة المكرّمة، فانطلق شوقا لزيارة البيت العتيق، حيث مقام خليل اللّه إبراهيم وابنه إسماعيل عليهماالسلام، وحيث مشاهد الوحي الكثيرة، وليشهد بعينيه أوّل بيت وضع للناس، ويرى المدينة التي ولد فيها أعظم مخلوق على وجه الأرض خاتم النبيين صلى الله عليه و آله ، وولد فيها سيّد الوصيين أمير المؤمنين عليه السلام ، ولتداعى إلى ذهن ذلك الشابّ جهاد الطليعة الاُولى من المسلمين أمثال أمير المؤمنين عليه السلام وخديجة الكبرى وتضحيات ياسر وسميّة، وصلابة بلال وصهيب وأضرابهم.
ثمّ ينتقل إلى المدينة المنوّرة حيث قبر الرسول الأكرم، وحيث المشاهد الشريفة، والمواقف التاريخيّة الكريمة، وعندها يتأمّل الذكريّات التي سجّلها الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله ومن معه بأحرف من دم، حيث واقعة بدر واُحد والخندق وغيرها.
فسار إلى تلك الديار محفوفا بلطف اللّه وعنايته، كما وصف لنا سفرته قائلاً: «...وكنت أرى من إلهي جلّ شأنه عناية ولطفا بي مع صغر سنّي ووحدتي، واتّفق لي في ذلك السفر اُمور لا تخلو من غرابة». ۴
وذكر قدس سره عدّة اُمور كان منها:
أنّي لمّا دخلت مكّة المشرّفة ، سبقت الحاجّ أنا وإثنان راكبين بغالاً من عسفان، فلمّا وصلنا إلى مكّة المشرّفة ، ذهبتُ إلى الحرم لطواف العمرة وأنا وحدي، فدرت أوّلاً حول البيت الحرام حتّى عرفت الأماكن المعهودة التي ينبغي معرفتها وقت الطواف، ثمّ أردتُ أن أشرع في الطواف وإذا رجل ممّن هناك يطوّفون الناس جاء لي وقال: أنا اُطوّفك، فقلت له: أنا رجل من أهل الشام، وسبقت الحاجّ الشامي، وما معي شيء من الدراهم اُعطيك إيّاه ، ولا عندي شيء سوى ما أنا محرم به، فإن كنت ترضى أن تعلّمني بغير شيء ، وإلاّ فاتركني أطوف لنفسي، فجعل ينازعني ويتكلّم بكلام خشن، فبينما نحن في ذلك إذ أقبل رجل فجذب ذلك، وقال له: اتركه يطوف لنفسه، أنت تريد تعلّم
هذا الطواف! هذا وأبوه من قبله يعلّمان مائة مثلك الطواف ـ أو قال معنى هذا ـ اتركه يطوف، فتركني، وطفتُ كما أردت. ۵
هذا، وكانت له سفرة اُخرى إلى مكّة ومن بلاد أصفهان سيأتي الكلام عنها إن شاء اللّه تعالى.

1.كرك نوح: لفظة سريانيّة أصلها «كركو» بمعنى حصن أو معقل، اسم قرية بأسفل جبل لبنان من جهة الجنوب، تنسب إلى نوح عليه السلام لوجود قبر ومشهد فيها منسوبين إليه. وقد قيل: إنّ هذه القرية كانت أشبه بمدينة حصينة جرت إليها مياه البردوني، ثمّ تحوّل عمرانها إلى غيرها، وأصبحت اليوم قرية صغيرة. وإلى هذه القرية ينتسب الكثير من العلماء أمثال المحقّق الكركي وغيره. انظر: كتاب الشهيد الثاني، ص ۲۳ ـ ۲۴ .

2.انظر: الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۲۳۹ .

3.الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۲۳۹. وقد تقدّمت الإشارة عند الكلام في تاريخ ولادته أنّ المشهور في ولادته ۱۰۱۳ أو ۱۰۱۴ هجريّة، وعليه يكون له من العمر حين سفره إلى مكّة بين ۱۷ سنة و ۲۰ سنة.

4.الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۲۳۹.

5.الدرّ المنثور، ج ۲، ص ۲۴۰ ـ ۲۴۱.

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 84559
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي