99
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

كلام حول البداء

يعتبر البداء أحد التعاليم الإسلاميّة المهمّة ، حيث تدلّ عليه بوضوح آيات القرآن الكريم والأحاديث المنقولة في كتب الفريقين ، لذا فقد أيّدت جميع الفرق والمذاهب الإسلاميّة مفهومه ، من الناحية العملية ، نعم عمد البعض إلى إنكار البداء ؛ لأنّهم لم يدركوا معناه بشكل صحيح بزعم أنّه يتعارض مع علم اللّه الذاتي والأزلي .
ولكنّ جميع فرق المسلمين تمدّ أيديها بالدعاء على أرض الواقع ولا تطلب من اللّه قضاء حاجاتها فحسب، بل وترجوه أن يغيّر عاقبتها ، وهذا السلوك إنّما يمثّل في الحقيقة اعتقادا بمفهوم البداء .

مفهوم البداء

كلمة البداء مشتقّة من مادّة «بدو» بمعنى الظهور ، وتستعمل بمعنيين هما الظهور بعد الخفاء وظهور الرأي الجديد .
والمعنى الثاني للبداء (أي ظهور الرأي الجديد) يمكن أن يكون هو أيضا على صورتين : ظهور رأي على خلاف الرأي السابق (أو التغير في الرأي) ، وظهور رأي دون أن تكون له خليفة في رأي آخر .
وهكذا يستخدم البداء في اللغة العربية في ثلاثة مواضع:
1 . ظهور شيء بعد خفائه .
2 . ظهور رأي خلافا للرأي السابق، أو تغيير الرأي.
3 . ظهور رأي دون أن تكون له خليفة مسبقة .
والآن علينا أن نتعرّف على المعنى الّذي استخدم فيه البداء في الكتاب والسنّة فيما يتعلّق باللّه تعالى.

البداء في الكتاب والسنة

زعم الكثير من الذين أبدوا آراءهم حول البداء أو أنكروه، أنّ البداء بالمعنى الأوّل هو المستخدم فيما يتعلّق باللّه ، وبالتالي فقد عمدوا إلى الاستدلال على هذا المعنى أو ردّه ، ولكنّ البداء استخدم في الكتاب والسنّة بالمعنيين الأخيرين فيما يتعلّق باللّه ـ تعالى ـ ، أمّا المعنى الثالث فلا خلاف فيه ، وإنما الّذي خضع للبحث واختُلِف بشأنه هو المعنى الثاني منها .
وقد لاحظنا في بحث القضاء والقدر ، أنّ اللّه جعل تحت اختيار البشر إمكانيّات وثروات مثل القدرة والرزق والعمر والبقاء بشكل محدود ، وهذه المحدوديّة هي التقدير الإلهي ، ومن جهة اُخرى فإنّ التقدير الإلهي على قسمين : محتوم (أو غير قابل للتغيير) ، وغير محتوم (أو قابل للتغيير) .
فعلى هذا الأساس يكون عبارة عن التغيير في التقدير غير المحتوم عن طريق تقديم التقديرات وتأخيرها، أو محو تقدير وإثبات تقدير آخر ، كما جاء في القرآن الكريم :
«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . ۱

1.الرعد : ۳۹ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
98

قالَ : عَجِبتُ لِلمَرءِ المُسلِمِ ، أنَّهُ لَيسَ مِن قَضاءٍ يَقضيهِ اللّهُ عز و جل إلّا كانَ خَيرا لَهُ في عاقِبَةِ أمرِهِ . ۱

الفصل السّادس : البداء في القضاء

6 / 1 . معنى البداء

۴۵۷.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ في قَولِهِ :«يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْكِتَـبِ»ـ: يَمحو مِنَ الأَجَلِ ما يَشاءُ ، ويَزيدُ فيهِ ما يَشاءُ . ۲

۴۵۸.عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل أوحى إلى نَبِيٍّ مِن أنبِيائِهِ : أن أخبِر فُلانَ المَلِكَ أنّي مُتَوَفّيهِ إلى كَذا وكَذا ، فَأَتاهُ ذلِكَ النَّبِيُّ فَأَخبَرَهُ ، فَدَعَا اللّهَ المَلِكُ وهُوَ عَلى سَريرِهِ حَتّى سَقَطَ مِنَ السَّريرِ ، فَقالَ : يا رَبِّ أجِّلني حَتّى يَشِبَّ طِفلي وأقضِيَ أمري ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جلإلى ذلِكَ النَّبِيِّ أنِ ائتِ فُلانَ المَلِكَ ، فَأَعلِمهُ أنّي قَد أنسَيتُ في أجَلِهِ وزِدتُ في عُمُرِهِ خَمسَ عَشرَةَ سَنَةً ، فَقالَ ذلِكَ النَّبِيُّ : يا رَبِّ إنَّكَ لَتَعلَمُ أنّي لَم أكذِب قَطُّ ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : إنَّما أنتَ عَبدٌ مَأمورٌ فَأَبلِغهُ ذلِكَ ، وَاللّهُ لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ . ۳

6 / 2 . ما يوجِبُ حُسنَ البَداءِ

أ ـ الدُّعاءُ

۴۵۹.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ يَرُدُّ القَضاءَ ، وللّهِِ في خَلقِهِ قَضاءانِ : قَضاءٌ ماضٍ ، وقَضاءٌ مُحدَثٌ . ۴

۴۶۰.عنه صلى الله عليه و آله :الدُّعاءُ جُندٌ مِن أجنادِ اللّهِ تَعالى مُجَنَّدٌ ، يَرُدُّ القَضاءَ بَعدَ أن يُبرَمَ . ۵

ب ـ صِلَةُ الأَرحام

۴۶۱.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن سَرَّهُ النَّسأُ فِي الأَجَلِ ، وَالزِّيادَةُ فِي الرِّزقِ ، فَليَصِل رَحِمَهُ . ۶

6 / 3 . ما يوجِبُ سوءَ البَداءِ

الكتاب

«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ» . ۷

الحديث

۴۶۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما نَقَضَ قَومٌ عَهدَهُم إلّا سُلِّطَ عَلَيهِم عَدُوُّهُم ، وما جارَ قَومٌ إلّا كَثُرَ القَتلُ بَينَهُم ، وما مَنَعَ قَومٌ الزَّكاةَ إلّا حُبِسَ القَطرُ عَنهُم ، ولا ظَهَرَت فيهِمُ الفاحِشَةُ إلّا فَشا فيهِمُ المَوتُ ، وما يُخسِرُ قَومٌ المِكيالَ وَالميزانَ إلّا اُخِذوا بِالسِّنينَ . ۸

۴۶۳.عنه صلى الله عليه و آله :إذا أبغَضَ المُسلِمونَ عُلَماءَهُم ، وأظهَروا عِمارَةَ أسواقِهِم وتَناكَحوا عَلى جَمعِ الدَّراهِمِ ، رَماهُمُ اللّهُ عز و جلبِأَربَعِ خِصالٍ : بِالقَحطِ مِنَ الزَّمانِ ، وَالجَورِ مِنَ السُّلطانِ ، وَالخِيانَةِ مِن وُلاةِ الأَحكامِ ، وَالصَّولَةِ مِنَ العَدُوِّ . ۹

1.التوحيد : ص ۴۰۱ ح ۵.

2.الفردوس : ج ۵ ص ۲۶۱ ح ۸۱۲۶.

3.التوحيد : ص ۴۴۳ ح ۱.

4.الفردوس : ج ۲ ص ۱۱ ح ۲۰۹۰.

5.اُسد الغابة : ج ۵ ص ۳۳۸ الرقم ۵۲۹۷.

6.الكافي : ج ۲ ص ۱۵۲ ح ۱۶.

7.الرعد : ۱۱ .

8.إرشاد القلوب : ص ۷۱ .

9.المستدرك على الصحيحين : ج ۴ ص ۳۶۱ ح ۷۹۲۳.

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 230393
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي