159
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

التي يمكن للناس من خلالها معرفة حقائق الوجود ، وذلك بسبب التحريف الذي لحق الأديان السابقة ، والذي حوّلها إلى خرافات وأوهام تحكم المجتمعات باسم الدين ، فقد تحوّلت تلك الأديان المحرّفة والعقائد الوهميّة في الواقع إلى وسيلة لهيمنة سلطة القهر والقوّة على الإنسان، وهذه حقيقة يشهد لها تأريخ ما قبل الإسلام أيضا .
لقد مثّل عصر النبيّ صلى الله عليه و آله بداية عصر العلم ، وإنّ أهم المسؤوليّات التي نهض بها النبيّ صلى الله عليه و آله هي اجتثاث الخرافات والتحريفات ، وإظهار الحقائق للناس.
ومن البديهي أنّ عصر العلم ـ الذي ابتدأ ببعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ـ لا يمكن أن تكتب له الاستمراريّة ، إلّا اذا عرف المسلمون في كلّ زمان إمامهم الّذي يحذو حذو الرسول صلى الله عليه و آله واقتدوا به .
ومجمل الكلام : إنّ الإمامة هي الضمانة لاستمرار عصر العلم أو عصر الإسلام الحقّ، وبدون هذه الضمانة سيؤول مصير المجتمع إلى جاهلية ما قبل الإسلام .

مَن هوَ الإمامُ المطلوبُ مَعرِفَتُهُ ؟

إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص : من هو الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي ، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟
فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى الله عليه و آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة ، بحيث يكون الجهل به مؤدّيا إلى الموت على الجاهليّة ، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار» بالتعبير القرآني؟!
على هذا الأساس فإنّ المقصود بالأحاديث الواردة في أنّ «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» هو التحذير ـ بلا أدنى شك ـ من مغبّة ترك ولاية الأئمّة عليهم السلام الثابت ضرورة التمسّك بها في حديث الثقلين والغدير ومئات الأحاديث الاُخرى الواردة للاُمّة في هذا الشأن .

الفصل الخامس : شروط الإمامة

5 / 1 . النَّصُّ مِنَ اللّهِ

الكتاب

«وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّــلِمِينَ» . ۱

الحديث

۸۵۵.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أيُّهَا النّاسُ ، لا تَأتوني غَدا بِالدُّنيا تَزُفّونَها زَفّا ۲ ، ويَأتي أهلُ بَيتي شُعثا ۳ غُبرا مَقهورينَ مَظلومينَ ، تَسيلُ دِماؤُهُم ، إيّاكُم وَاتِّباعَ الضَّلالَةِ

1.البقرة : ۱۲۴.

2.زَفَفتُ العَروسَ أزفُّها : إذا أهدَيتها إلى زوجِها (النهاية : ج ۳ ص ۳۰۵ «زفف») .

3.الأشعث : هو المغبرّ الرأس (الصحاح : ج ۱ ص ۲۸۵ «شعث») .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
158

اللّهُ عز و جل دينَهُ ، وبِهِم يَعمُرُ بِلادَهُ ، وبِهِم يَرزُقُ عِبادَهُ ، وبِهِم يُنزِلُ ۱ القَطرَ مِنَ السَّماءِ ، وبِهِم يُخرِجُ بَرَكاتِ الأَرضِ . ۲

الفصل الرّابع : معرفة الإمام

4 / 1 . وُجوبُ مَعرِفَةِ أَئِمَّةِ الهُدى

الكتاب

« يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاس بِإِمَـمِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَـبَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـبَهُمْ وَ لَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً » . ۳

الحديث

۸۵۱.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :لَو أنَّ عَبدا عَبَدَ اللّهَ ألفَ عامٍ ما بَينَ الرُّكنِ وَالمَقامِ ، ثُمَّ ذُبِحَ كَما يُذبَحُ الكَبشُ مَظلوما ، لَبَعَثَهُ اللّهُ مَعَ النَّفَرِ الَّذينَ يَقتَدي بِهِم ، ويَهتَدي بِهُداهُم ، ويَسيرُ بِسيرَتِهِم ، إن جَنَّةً فَجَنَّةٌ وإِن نارا فنارٌ . ۴

4 / 2 . التَّحذيرُ مِن تَركِ مَعرِفَتِهِم

۸۵۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :مَن ماتَ ولا يَعرِفُ إمامَهُ ، ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً . ۵

۸۵۳.عنه صلى الله عليه و آله :مَن مات بِغَيرِ إمامٍ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً . ۶

۸۵۴.كمال الدين عن سليم بن قيس الهلاليّ :أنَّهُ سَمِعَ مِن سَلمانَ ومِن أبي ذَرٍّ ومِنَ المِقدادِ حَديثا عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : «مَن ماتَ ولَيسَ لَهُ إمامٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، ثُمَّ عَرَضَهُ عَلى جابِرٍ وَابنِ عَبّاسٍ فَقالا : صَدَقوا وبَرّوا ، وقَد شَهِدنا ذلِكَ وسَمِعناهُ مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإنَّ سَلمانَ قالَ : يا رَسولَ اللّهِ ، إنَّكَ قُلتَ : مَن ماتَ ولَيسَ لَهُ إمامٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً ، مَن هذَا الإِمامُ ؟
قالَ : «مِن أوصِيائي يا سَلمانُ ، فَمَن ماتَ مِن اُمَّتي ولَيسَ لَهُ إمامٌ مِنهُم يَعرِفُهُ ، فَهِيَ ميتَةٌ جاهِلِيَّةٌ ، فَإِن جَهِلَهُ وعاداهُ فَهُوَ مُشرِكٌ ، وإن جَهِلَهُ ولَم يُعادِهِ ولَم يُوالِ لَهُ عَدُوّا ، فَهُوَ جاهِلٌ ولَيسَ بِمُشرِكٍ . ۷

دراسة حول أحاديث التّحذير مِنَ المَوتِ عَلى غَيرِ مَعْرفَةِ الإمامِ

إنّ الأحاديث الواردة في التحذير من عدم معرفة الإمام وإنكاره ، واعتبار من مات بدون إمام مات ميتة جاهلية ، هي مورد اتّفاق المسلمين جميعا ، و ممّا روته كتب الفريقين معا .
إنّ المهم في الحديث هو دلالته وليس صدوره عن النبي صلى الله عليه و آله . ومن أجل الوقوف على مفاد الحديث ينبغي تحديد المراد بلفظ «الجاهليّة» الوارد فيه .
إنّ عصر الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله في منظار الثقافة الإسلامية هو عصر العلم، بينا يعتبر العصر الذي سبقه عصر الجاهليّة ، بمعنى أنّ الفترة المتقدّمة على بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله كانت فترة غياب لمصادر الإشعاع والهداية

1.في المصدر : «نزل» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.كمال الدين : ص ۲۶۰ ح ۵.

3.الإسراء : ۷۱ .

4.المحاسن : ج ۱ ص ۱۳۴ ح ۱۶۶.

5.الكافي : ج ۲ ص ۲۰ ح ۶.

6.مسند ابن حنبل : ج ۶ ص ۲۲ ح ۱۶۸۷۶

7.كمال الدين : ص ۴۱۳ ح ۱۵ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 230398
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي