415
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

لقد تناول العلّامة الشيخ محمّد حسن المظفر أبعاد هذا الإشكال والجواب عليه . وقد رأينا من الجدير ذكر النصّ كاملاً ، كما يلي :
«الأمر الثالث : إنّ خصوصيّات الروايات متنافية من وجوه ؛ وهو يكشف عن كذب الواقعة :
الأوّل : دلالة بعضها على طلوع الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ، وبعضها حتى توسّطت السماء ، وبعضها حتى بلغت نصف المسجد ، وهذا دالّ على أنّ ذلك بالمدينة ؛ لأنّ المقصود مسجدها ، وكثير من الأخبار يدلّ على أنّه بالصهباء في غزوة خيبر .
الثاني : أنّ بعضها يدلّ على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يُوحَى إليه ، وبعضها كان نائماً ثمّ استيقظ .
الثالث : دلالة بعضها على أنّ عليّاً كان مشغولاً بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، وبعضها على أنّه كان مشغولاً بقسم الغنائم ؛ إلى غير ذلك من الخصوصيّات المتنافية .
والجواب : أنّ تنافي الخصوصيّات لا يوجب كذب أصل الواقعة ، وإنّما يقتضي الخطأ في الخصوصيّات ؛ إذ لا ترى واقعة تكثر طرقها إلّا واختلف النقل في خصوصيّاتها ، حتى أنّ قصّة انشقاق القمر قد وردت في الرواية الَّتي تقدّمت عن الترمذي ، بأنّ القمر صار فرقتين على جبلين ، وفي رواية اُخرى للترمذي انشقّ فلقتين : فلقة من وراء الجبل وفلقة دونه ، وفي «صحيح البخاري» فرقة فوق الجبل وفرقة دونه .
على أنّه لا تنافي بين تلك الخصوصيّات ؛ لأنّ المراد بجميع الخصوصيّات في الوجه الأوّل هو رجوع الشمس إلى وقت صلاة العصر ، كما صرّح به بعض الأخبار ، لكن وقعت المبالغة في بعضها بأنّها توسّطت السماء ، والمبالغة غير عزيزة في الكلام ، كما أنّ وقوع ردّ الشمس في غزوة خيبر لا ينافي بلوغها نصف المسجد .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
414

ذكرنا في بداية التحليل أنّ الحادثة قد تكون أحياناً فوق أن تنتظمها الاُطر التحليليّة العقلانيّة العاديّة ، ومن ثمّ يكفي في إثبات هذه الحوادث عدم استحالتها وتعارضها مع النصوص الثابتة .
وممّا لا ريب فيه أنّ وقوع مثل هذه الحادثة ـ الَّتي كان لها مثال قطعي في التاريخ ـ هو ليس محالاً عقلاً حتى تعدّ خارج دائرة القدرة الإلهيّة . على هذا الأساس لا يمنع من الإيمان بها كأمر «على خلاف العادة» بيدَ أنّه يتوائم مع العلل والعوامل الموجودة في الوجود ، وينسجم مع القدرة الإلهيّة ، علاوة على أنّه قد وقع فعلاً على عهد يوشع كما سلفت الإشارة إليه .

6 ـ تعارض النقول وتنافيها

لقد رأينا كثرة النصوص الَّتي تتوفّر على نقل الواقعة . ولمّا كانت النقول الكثيرة تقترن غالباً مع ظاهرة النقل بالمعنى ، وتتخلّلها أغراض متعدّدة للرواة والناقلين ، وأساليب مختلفة في كيفية ضبط الواقعة ، فسيطرأ التغيّر على النصوص والنقول من حيث المحتوى .
فمن الرواة من ينقل الواقعة بأبعادها كافّة ، ومنهم من يكتفي بأصل الواقعة وهكذا ، ممّا لا ينفي النسيان ولا يُسقِط إمكان الخطأ .
على هذا الضوء يبدو أنّ تعدّد الأخبار حول الحادثة الواحدة واختلافها هو أمر طبيعي ، قد يُفضي أحياناً إلى تهافت بعض أجزائها وسقوطها عن الاعتبار . بيدَ أنّ هذا التنافي لا يوجب نفي أصل الواقعة ؛ لأنّ لذلك معايير وملاكات خاصّة .
لذلك يُعدّ خطأً كبيراً ما ذهب إليه نقّاد الواقعة من أنّ تنافي بعض خصوصيّاتها وتهافته يُفضي إلى كذب أصل الواقعة ونفيه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 160577
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي