231
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّ الَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» 1 فَلَم يَقنَع هَمّامٌ بِهذَا القَولِ حَتّى عَزَمَ عَلَيهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ عليه السلام :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى خَلَقَ الخَلقَ حينَ خَلَقَهُم غَنِيّاً عَن طاعَتِهِم ، آمِناً مِن مَعصِيَتِهِم ؛ لِأَنَّهُ لا تَضُرُّهُ مَعصِيَةُ مَن عَصاهُ ، ولا تَنفَعُهُ طاعَةُ مَن أطاعَهُ . فَقَسَمَ بَينَهُم مَعايِشَهُم ، ووَضَعَهُم مِنَ الدُّنيا مَواضِعَهُم . فَالمُتَّقونَ فيها هُم أهلُ الفَضائِلِ ؛ مَنطِقُهُمُ الصَّوابُ ، ومَلبَسُهُمُ الِاقتِصادُ ، ومَشيُهُمُ التَّواضُعُ . غَضّوا أبصارَهُم عَمّا حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِم ، ووَقَفوا أسماعَهُم عَلَى العِلمِ النّافِعِ لَهُم . نُزِّلَت أنفُسُهُم مِنهُم فِي البَلاءِ كَالَّتي نُزِّلَت فِي الرَّخاءِ . ولَولَا الأَجَلُ الَّذي كَتَبَ اللّهُ عَلَيهِم لَم تَستَقِرَّ أرواحُهُم في أجسادِهِم طَرفَة عَينٍ ؛ شَوقا إلَى الثَّوابِ ، وخَوفا مِنَ العِقابِ .
عَظُمَ الخالِقُ في أنفُسِهِم ؛ فَصَغُرَ ما دونَهُ في أعيُنِهِم ، فَهُم وَالجَنَّةُ كَمَن قَد رَآها ؛ فَهُم فيها مُنَعَّمونَ ، وهُم وَالنّارُ كَمَن قَد رَآها فَهُم فيها مُعَذَّبونَ . قُلوبُهُم مَحزونَةٌ ، وشُرورُهُم مَأمونَةٌ ، وأجسادُهُم نَحيفَةٌ ، وحاجاتُهُم خَفيفَةٌ ، وأنفُسُهُم عَفيفَةٌ . صَبَروا أيّاما قَصيرَةً ، أعقَبَتهُم راحَةً طَويلَةً . تِجارَةٌ مُربِحَةٌ يَسَّرَها لَهُم رَبُّهُم . أرادَتهُمُ الدُّنيا فَلَم يُريدوها ، وأسَرَتهُم فَفَدَوا أنفُسَهُم مِنها .
أمَّا اللَّيلَ فَصافّونَ أقدامَهُم ، تالينِ لِأَجزاءِ القُرآنِ يُرَتِّلونَها تَرتيلاً . يُحَزِّنونَ بِهِ أنفُسَهُم ، ويَستَثيرونَ بِهِ دَواءَ دائِهِم ، فَإِذا مَرّوا بِآيَةٍ فيها تَشويقٌ رَكَنوا إلَيها طَمَعا ، وتَطَلَّعَت نُفوسُهم إلَيها شَوقا ، وظَنّوا أ نَّها نُصبَ أعيُنِهِم ، وإذا مَرّوا بِآيَةٍ فيها تَخويفٌ أصغَوا إلَيها مَسامِعَ قُلوبِهِم ، وظَنّوا أنَّ زَفيرَ جَهَنَّمَ وشَهيقَها في اُصولِ آذانِهِم ؛ فَهُم حانونَ عَلى أوساطِهِم ، مُفتَرِشونَ لِجِباهِهِم وأكُفِّهِم ورُكَبِهِم وأطرافِ أقدامِهِم ، يَطلُبونَ إلَى اللّهِ تَعالى في فَكاكِ رِقابِهِم .

1.النحل : ۱۲۸ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
230

4 / 2

الطَّريقُ الواضِحُ

۵۶۱۸.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام يَعِظُ بِسُلوكِ الطَّريقِ الواضِحِ ـ: أيُّهَا النّاسُ ! لا تَستَوحِشوا في طَريقِ الهُدى لِقِلَّةِ أهلِهِ ؛ فَإِنَّ النّاسَ قَدِ اجتَمَعوا عَلى مائِدَةٍ شِبَعُها قَصيرٌ ، وجوعُها طَويلٌ .
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّما يَجمَعُ النّاسَ الرِّضا وَالسُّخطُ ، وإنَّما عَقَرَ ناقَةَ ثَمودَ رَجُلٌ واحِدٌ ، فَعَمَّهُمُ اللّهُ بِالعَذابِ لَمّا عَمّوهُ بِالرِّضا ، فَقالَ سُبحانَهُ : «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَـدِمِينَ»۱ فَما كانَ إلّا أن خارَت ۲ أرضُهُم بِالخَسفَةِ خُوارِ السِّكَّةِ ۳ المُحماةِ فِي الأَرضِ الخَوّارَةِ ۴ .
أيُّهَـا النّاسُ مَن سَلَـكَ الطَّريقَ الواضِـحَ وَرَدَ الماءَ ، ومَن خالَفَ وَقَعَ فِي التّيهِ ! ۵

4 / 3

صِفاتُ المُتَّقينَ

5619.نهج البلاغة :مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام يَصِفُ فيهَا المُتَّقينَ . رُوِيَ أنَّ صاحِبا لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام يُقالُ لَهُ : هَمّامٌ كانَ رَجُلاً عابِدا ، فَقالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صِف لِيَ المُتَّقينَ حَتّى كَأَ نّي أنظُرُ إلَيهِم . فَتَثاقَلَ عليه السلام عَن جَوابِهِ ثُمَّ قالَ : يا هَمّامُ! اتَّقِ اللّهَ وأحسِن فَ «إِنَّ اللَّهَ مَع

1.الشعراء : ۱۵۷.

2.خارَ : صاح ، والخُوار : ما اشتدّ من الصوت (لسان العرب : ج۴ ص۲۶۱) .

3.السِّكّة : هي التي تُحرث بها الأرض (النهاية : ج۲ ص۳۸۴) .

4.أرضٌ خوّارةٌ : لينة سهلة (لسان العرب : ج۴ ص۲۶۲) .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۲۰۱ ، الغارات : ج۲ ص۵۸۴ عن فرات بن أحنف وليس فيه من «فقال سبحانه» إلى «الخوّارة» ، المسترشد : ص۴۰۷ ح۱۳۸ وليس فيه من «فقال سبحانه . . . » وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج۷۰ ص۱۰۷ ح۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 159672
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي