227
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

ما صاروا إلَيهِ في آخِرِ اُمورِهِم حينَ وَقَعَتِ الفُرقَةُ ، وتَشَ الاُلفَةُ ، وَاختَلَفَتِ الكَلِمَةُ وَالأَفئِدَةُ ، وتَشَعَّبوا مُختَلِفينَ ، وتَفَرَّقوا مُتَحارِبينَ ، قَد خَلَعَ اللّهُ عَنهُم لِباسَ كَرامَتِهِ ، وسَلَبَهُم غَضارَةَ نِعمَتِهِ . وبَقِيَ قَصَصُ أخبارِهِم فيكُم عِبَرا لِلمُعتَبِرينَ .
فَاعتَبِروا بِحالِ وَلَدِ إسماعيلَ وبَني إسحاقَ وبَني إسرائيلَ عليهم السلام ؛ فَما أشَدَّ اعتِدالَ الأَحوالِ ، وأقرَبَ اشتِباهَ الأَمثالِ ! تَأَمَّلوا أمرَهُم في حالِ تَشَتُّتِهِم وتَفَرُّقِهِم لَيالِيَ كانَتِ الأَكاسِرَةُ والقَياصِرَةُ أربابا لَهُم ، يَحتازونَهُم عَن ريفِ الآفاقِ ، وبَحرِ العِراقِ ، وخُضرَةِ الدُّنيا إلى مَنابِتِ الشّيحِ ، ومَهافِي ۱ الرّيحِ ، ونَكَدِ المَعاشِ . فَتَرَكوهُم عالَةً مَساكينَ ، إخوانَ دَبَرٍ ۲ ووَبَرٍ ، أذَلَّ الاُمَمِ دارا ، وأجدَبَهُم قَرارا . لا يَأوونَ إلى جَناحِ دَعوَةٍ يَعتَصِمونَ بِها ، ولا إلى ظِلِّ اُلفَةٍ يَعتَمِدونَ عَلى عِزِّها . فَالأَحوالُ مُضطَرِبَةٌ ، وَالأَيدي مُختَلِفَةٌ ، وَالكَثرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ ؛ في بَلاءِ أزلٍ ۳ ، وأطباقِ جَهلٍ ! مِن بَناتٍ مَوؤُودَةٍ ، وأصنامٍ مَعبودَةٍ ، وأرحامٍ مَقطوعَةٍ ، وغاراتٍ مَشنونَةٍ .
فَانظُروا إلى مَواقِعِ نِعَمِ اللّهِ عَلَيهِم حينَ بَعَثَ إلَيهِم رَسولاً ، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طاعَتَهُم ، وجَمَعَ عَلى دَعوَتِهِ اُلفَتَهُم ؛ كَيفَ نَشَرَتِ النِّعمَةُ عَلَيهِم جَناحَ كَرامَتِها ، وأسالَت لَهُم جَداوِلَ نَعيمِها ، وَالتَفَّتِ المِلَّةُ بِهِم في عَوائِدِ بَرَكَتِها ، فَأَصبَحوا في نِعمَتِها غَرِقينَ ، وفي خُضرَةِ عَيشِها فَكِهينَ . قَد تَرَبَّعَتِ الاُمورُ بِهِم في ظِلِّ سُلطانٍ قاهِرٍ ، وآوَتهُمُ الحالُ إلى كَنَفِ عِزٍّ غالِبٍ . وتَعَطَّفَتِ الاُمورُ عَلَيهِم في ذُرى مُلكٍ ثابِتٍ . فَهُم حُكّامٌ عَلَى العالَمينَ ، ومُلوكٌ في أطرافِ الأَرَضينَ . يَملِكونَ الاُمورَ عَلى مَن كانَ يَملِكُها عَلَيهِم . ويُمضونَ الأَحكامَ فيمَن كانَ يُمضيها فيهِم . لا تُغمَزُ لَهُم قَناةٌ ،

1.مهافي : جمع مهفىً ؛ وهو مَوضِع هبوبِها في البَراري (النهاية : ج۵ ص۲۶۷) .

2.الدَّبَر : الجرح الذي يكون في ظَهرِ البعير (النهاية : ج۲ ص۹۷) .

3.الأزْل : الشدّة والضيق (لسان العرب : ج۱ ص۴۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
226

3 / 2

تَأكيدُ الإِمامِ عَلَى الاِعتِبارِ بِالتّاريخِ

۵۶۱۶.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن خُطبَةٍ لَهُ عليه السلام تُسَمّى بِالقاصِعَةِ ـ: اِحذَروا ما نَزَلَ بِالاُمَمِ قَبلَكُم مِنَ المَثُلاتِ بِسوءِ الأَفعالِ وذَميمِ الأَعمالِ . فَتَذَكَّروا فِي الخَيرِ وَالشَّرَّ أحوالَهُم ، وَاحذَروا أن تَكونوا أمثالَهُم .
فَإِذا تَفَكَّرتُم في تَفاوُتِ حالَيهِم فَالزَموا كُلَّ أمرٍ لَزِمَتِ العِزَّةُ بِهِ شَأنَهُم ، وزاحَتِ الأَعداءُ لَهُ عَنهُم ، ومُدَّتِ العافِيَةُ بِهِ عَلَيهِم ، وَانقادَتِ النِّعمَةُ لَهُ مَعَهُم ، ووَصَلَتِ الكَرامَةُ عَلَيهِ حَبلَهُم ، مِنِ الِاجتِنابِ لَلفُرقَةِ ، وَاللُّزومِ لِلاُلفَةِ ، وَالتَّحاضِّ عَلَيها ، وَالتَّواصي بِها ، وَاجتَنِبوا كُلَّ أمرٍ كَسَرَ فِقرَتَهُم ، وأوهَنَ مُنَّتَهُم ۱ ، مِن تَضاغُنِ القُلوبِ ، وتَشاحُنِ الصُّدورِ ، وتَدابُرِ النُّفوسِ ، وتَخاذُلِ الأَيدي ، وتَدَبَّروا أحوالَ الماضينَ مِنَ المُؤمِنينَ قَبلَكُم ، كَيفَ كانوا في حالِ التَّمحيصِ وَالبَلاءِ ؛ أ لَم يَكونوا أثقَلَ الخَلائِقِ أعباءً ، وأجهَدَ العِبادِ بَلاءً ، وأضيَقَ أهلِ الدُّنيا حالاً ؟ اِتَّخَذَتهُمُ الفَراعِنَةُ عَبيدا ، فَساموهُم سوءَ العَذابِ ، وجَرَّعوهُمُ المُرارُ ، فَلَم تَبرَحِ الحالُ بِهِم في ذُلِّ الهَلَكَةِ وقَهرِ الغَلَبَةِ . لا يَجِدونَ حيلَةً فِي امتِناعِ ، ولا سَبيلاً إلى دِفاعٍ . حَتّى إذا رَأَى اللّهُ سُبحانَهُ جِدَّ الصَّبرِ مِنهُم عَلَى الأَذى في مَحَبَّتِهِ ، وَالاِحتِمالَ لِلمَكروهِ مِن خَوفِهِ ؛ جَعَلَ لَهُم مِن مَضايِقِ البَلاءِ فَرَجا ؛ فَأَبدَلَهُمُ العِزَّ مَكانَ الذُّلِّ ، والأَمنَ مَكانَ الخَوفِ ، فَصاروا مُلوكا حُكّاما ، وأئِمَّةً أعلاما ، وقَد بَلَغَتِ الكَرامَةُ مِنَ اللّهِ لَهُم ما لَم تَذهَبِ الآمالُ إلَيهِ بِهِم .
فَانظُروا كَيفَ كانوا حَيثُ كانَتِ الأَملاءُ مُجتَمِعَةً ، والأَهواءُ مُؤتَلِفَةً ، وَالقُلوبُ مُعتَدِلَةً ، والأَيدي مُتَرادِفَةً ، وَالسُّيوفُ مُتَناصِرَةً ، وَالبَصائِرُ نافِذَةً ، وَالعَزائِمُ واحِدَةً . أ لَم يَكونوا أربابا في أقطارِ الأَرَضينَ ، ومُلوكا عَلى رِقابِ العالَمينَ ؟ فَانظُروا إلى

1.المُنّة : القوّة (تاج العروس : ج۱۸ ص۵۴۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165219
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي