519
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

هذه وغيرها تمثّل سرّ حديث عليٍّ عن عليٍّ ، وبعبارة اُخرى ، إنّ عليّ بن أبي طالب يتحدّث عن الإمام عليّ ، وعن أجدر إنسانٍ لتسلّم زمام الاُمور .

5 ـ الدفاع عن الذات إزاء الهجوم الدعائي العنيف

بيد أنّ ما يفوق في أهميّته جميع الأدلّة التي ذكرناها كبواعث أملت على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يبادر إلى تبيين فضائله والحديث عن خصائصه بنفسه ، هي طبيعة الأجواء التي أعلن فيها ذلك على الملأ العام .
حياة عليّ عليه السلام مدهشة حقّاً ؛ أيّامها ملأى بالدروس ، وتاريخها حافل بالعظات . شخصيّة تتألّق بوهجٍ مضيء مرتفع ، رجل في مثل هذه الصلابة والرسوخ العظيم ، مؤمن يسمو به إيمانه ، فلا توازيه نجوم السماء علوّاً وجلالاً .
شخصيّة كهذه تتبوّأ منصّة كلّ هذه المكرمات ، ثمّ تطلع عليها أجواء محمومة بالدعاية الباطلة ، كيف ستبدو في عيون جيلٍ راح ينظر إليها وهي تمسك أزمّة الحكم بعد ربع قرن من الغياب ؟ وكيف ستكتسب موقعها في ذهنه ووعيه ؟ هذا هو السؤال .
إنّ دراسة حياة عليّ عليه السلام المترعة نوراً وحركة ومضاء ، تكشف عن أنّ هذا العظيم لم يتحدّث على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن نفسه قط ، مع ما كانت تزهر به أيّامه من مآثر عظمى وإنجازات باهرة .
لكن بعد أن مضى النبيّ الأقدس إلى الرفيق الأعلى بادر الإمام في الأيّام الاُولى التي شهدت تغيّر الحكم وتنكّب الحياة السياسيّة عن اُصولها ؛ بادر للحديث عن سابقته الوضيئة في هذا الدين ، وراح يصدع بحقّه في كلّ مكان ؛ رغبة منه بإحقاق الحقّ ، وإجهاراً للحقيقة ، ودفاعاً عن موقع «الإمامة» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
518

وعندما بلغت التهديدات ذروتها سكت البعض خوفا ، واُلجم البعض الآخر حرصا على الحياة بعدما كثرت مغرياتها ، فمن يتحدّث عن عليٍّ عليه السلام ؟ ومن يُفصح عن «حقّ الخلافة» و«خلافة الحقّ» ؟ وأنكى من ذلك كلّه أنّ حزب الطُّلَقاء استحوذ على مقدّرات الاُمّة ، فنال من عليٍّ ما شاء ، واختلق ـ باطلاً ـ فضائل موهومة لبعض الصحابة كي يقلّل قبسا ولو ضئيلاً من فضائل عليٍّ ، فهل للإمام سبيل غير تعريف نفسه للاُمّة ، والإصحار بفضائله ومناقبه ؟ !
إنّه عليه السلام بكلماته المذكورة في موقع الدفاع عن المظلوم ، وهو نفسه المنادي بضرورة الدفاع عن المظلوم، ومقارعة الظالم .

4 ـ الدفاع عن حقّ الناس

عندما تُفْتَعل الأجواء الكاذبة في المجتمع ، وتجرف الدعايات المسمومة المضادّة بعض الناس باطلاً ، وتقذف ببعضهم الآخر ظلما ، ويتربّع غير الجُدَراء على دفّة الحكم ، ويتسلّمون مقاليد الأمر ، وينزوي الجدراء المؤهَّلون ويبتعدون عن مسرح الحياة ، فالتقصير على المجتمع ؛ إذ أباح ظلمهم ، وضيّع حقّه في الاستهداء بهم والاستنارة بجدارتهم .
فالنضال ضدّ هذه الأجواء الكاذبة ، وإعادة الحقّ إلى نصابه يمثّلان دفاعا عن حقّ الناس . ومن كان يمتري في أنّ عليّا عليه السلام كان الأجدر الأكفأ ؟ أ لم يَقُل عمر بن الخطّاب : «إنَّهُ لَأَحراهُم أن يُقيمَهُم عَلى طَريقَةٍ مِنَ الحَقِّ» ۱ ؟ فماذا يفعل الناس في خضمّ حضورهم ؟ ! وإذا عرّف الإمام عليه السلام نفسه وتحدّث عن جدارته ولياقته فإنّما يدافع عن حقّ الناس الثابت ، أي حقّ معرفة الأجدر ، وتحكيم الأصلح .

1.راجع : ج ۲ ص ۹۳ (رأي عمر فيمن رشّحهم للخلافة) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149449
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي