401
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

فهو أوّل إنسانٍ يقيم الصلاة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان له حضوره الأوفر في سوح القتال وميادين الجهاد أكثر من أيّ شخص آخر ، ولم يُدبر عن عدوٍّ قطّ ، حتى حَمل على صدره وسام : «لا سَيفَ إلّا ذُو الفَقارِ ولا فَتى إلّا عَلِيٌّ» . ثمّ عدّ النبيّ ضربته يوم الخندق أفضل من أعمال الاُمّة وعبادة الثقلين ـ جميعا ـ إلى يوم القيامة .
ولك أن ترى في صفحات هذه المجموعة بعض التجلّيات الوضّاءة للثبات العلوي .

ز : عليٌّ من حيث السياسة

من خلال التأمّل بما جاء عن النبيّ حيال عليّ ، بإلقاء الأضواء على الكيفيّة التي صدر بها ذلك ، ثُمّ بتفحّص الأجواء التي انطلقت فيها تلك الحقائق ، والأرضيّة التي تحرّكت عليها الخطابات النبويّة فيما أعلنت من مناقب ومكرمات علويّة ؛ لا يبقى ثَمَّ شكّ بأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان بصدد بيان الموقع الرفيع لقيادة المستقبل، وتحديد المسار إلى أفضل إنسان يتسنّم هذا الموقع، والمصداق الإلهي الوحيد لهذا العنوان .
على هذا الضوء خطّ رسول اللّه ـ للاُمّة والرسالة ـ قيادة الغد وسياسة المستقبل ، بحيث راح يكتب جميع ما قاله على هذا الصعيد وجها آخر عبر هذه الرؤية . بيدَ أنّ ما يعنينا التركيز عليه في هذا المجال ، هو تلك العناوين والأحاديث التي تمسّ هذه الحقيقة عن كثب وتتّصل بها على نحو أوثق .
لقد سجّل رسول اللّه صلى الله عليه و آله للإمام عليّ موقع الأب في بيان طبيعة صلته بالاُمّة ، وهو يقول : «حَقُّ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ كَحَقِّ الوالِدِ عَلى وَلدِهِ» ۱ .
وها هو ذا النبيّ الأكرم يطلق على عليّ لقب «سيّد العرب» و «سيّد المسلمين» و «سيّد الدنيا والآخرة» ، حيث تكتسب هذه الألقاب إيحاءات خاصّة بلحاظ ما لـ «السيادة» من معنى .

1.راجع : ص۴۳۳ ح۳۲۵۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
400

مُخالِطٌ لَحمَكَ ودَمَكَ كَما خالَطَ لَحمي ودَمي» ۱ .
بهذه الشهادات ـ وغيرها ـ وضع النبيّ ذلك المؤمن النقي في أرفع ذرى اليقين .

ه : عليٌّ من حيث الأخلاق

كان من بين ما أعلنه النبيّ صلى الله عليه و آله في فلسفة بعثته وهدف رسالته ، هو إتمام «مكارم الأخلاق» . من هذا المنطلق سعى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى عرض مشروع جديد ، وتربية إنسان آخر ، وأن يصنع من المؤمنين بمبدئه ومنهجه مُثُلاً عمليّة للنهج الإنساني ، وقُدوات رفيعة لمكارم الأخلاق .
عند هذه النقطة يبرز حكم النبيّ حيال عليّ سامقا موحيا وهو يعدّه الأحسن أخلاقا ، والقمّة في التحمّل والصبر والاستقامة والتواضع والزهد وسائر مكارم الأخلاق . ومع ذلك كلّه كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام الأصلب في إجراء حكم الحقّ ، ثابتا لا يتزعزع في العلم بالأحكام الإلهيّة ، صلبا لا تلين له قناة في تنفيذ العدل والعدالة ، حتى قيل فيه : إنّه «كلمة العدل» والتجسيد الواقعي للعدل والإنصاف .

و : عليٌّ في مضمار العمل

كثيرهم أصحاب الادّعاءات ، وليسوا قلّة اُولئك الذين يتحدّثون عن الحقّ ويرفعون شعاره ، لكن إذا ما أزفت ساعة العمل ، وراحت عمليّة إحقاق الحقّ تحتاج إلى الجهد والمثابرة ، وتتطلّب التضحية والثبات ، صار أهل الحقّ قلّة وكَثُر الفارّون ! أمّا عليّ فهو في مضمار العمل اُمثولة لا نظير لها أيضا ، ذلك أنّ اقترانه بالحقّ واتّباعه له ، وثباته إلى جوار القرآن ، أمليا أن يسجّل له رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير مرّة معيّته مع القرآن ، ومعيّته مع الحقّ وعدم انفصاله عنهما .

1.راجع : ج ۵ ص ۲۲۳ (الإيمان مخالط لحمه ودمه) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 154136
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي