219
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

الشخصيّة قبل أن يفكّر بالحقّ ومصلحة الدين .
فمن بين الاعتراضات التي طالما كرّرها جند الإمام في حربي الجمل والنهروان ، هو : لماذا لا يسلبون نساء القوم ويتّخذونهنّ سبايا واُسارى؟ ولماذا لا توزّع عليهم أموالهم؟
قال ابن أبي الحديد بهذا الصدد : «اتّفقت الرواة كلّها على أنّه عليه السلام قبض ما وجد في عسكر الجمل ؛ من سلاح ودابّة ومملوك ومتاع وعروض ، فقسّمه بين أصحابه ، وأنّهم قالوا له : اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقاً ، فقال : لا . فقالوا : فكيف تحلّ لنا دماءهم وتحرِّم علينا سبيهم؟!» ۱ .
لقد تلاقحت عوامل الملالة والتعب والإحباط التي عاشها الجند بعد سنتين من ممارسة القتال بدون غنائم وعوائد مادّيّة ، مع التبعات السلبيّة لشبهة عدم شرعيّة قتال أهل القبلة ؛ حتى إذا ضُمّت هذه إلى تلك ، ثمّ التقت الحصيلة مع العناصر الأساسيّة للتخاذل ، صار من الطبيعي أن تجرّ الحالة إلى عدم انقياد هؤلاء وعصيانهم ، بحيث راح الإمام يواجه مشكلة حقيقيّة جادّة في استنفار القوّات وتعبئتها أواخر عهد حكمه .

ج : فقد الأخلّة وخلّص الأعوان

تتمثّل إحدى العوامل الاُخر التي ساهمت في غربة الإمام وبقائه وحيداً أواخر عهده في الحكم بغياب أبرز الخلّان ، وفقدان الشخصيّات الكبيرة التي كان لكلّ منها أثره المباشر في توجيه جيشه . لقد كان هؤلاء لساناً ناطقاً ، تُلهب كلماتهم النفوس ، وتثبّت القلوب في الأزمات ، وتثير خطبهم الحماس في سوح القتال ، ولهم تأثير بليغ على الناس .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۲۵۰ . راجع : ج ۳ ص ۲۵۳ (غنائم الحرب) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
218

مَعَ كُلِّ أمرٍ تُنكِرونَهُ غِيَراً» ۱ .
مع أنّ الإمام لم يألُ جهداً في أن يستفيد من أيّ فرصة تسنح لتوجيه الناس وإرشادهم ، إلّا أنّه كان عسيراً على كثيرين أن يهضموا أنّ علياً عليه السلام ينطق بالحقّ ، وأنّ طلحة والزبير وعائشة ـ في الوقت ذاته ـ سادرون في الغيّ ۲ .

ب : القتال بلا غنيمة

من العوامل السلبيّة التي أثّرت في الجماهير غيابُ الغنيمة ؛ فمع تدنّي مستوى الوعي الثقافي للقاعدة الشعبيّة العريضة صار لغياب الغنائم الحربيّة الكبرى أثر في تخريب الحالة النفسيّة للقوّات المقاتلة ، ودفعها إلى الملالة والإحباط والتعب من الحرب ، ومن ثمّ عدم طاعة الإمام والانقياد له ، يفوق ما كان لشبهة قتال أهل القبلة .
لقد اعتاد المقاتلون الحصول على غنائم وافرة في العهود التي سبقت عهد الإمام ، من خلال حروب الكفّار ، وبالأخصّ حروب فارس والروم . أمّا الآن فقد راح الإمام عليه السلام يدعوهم منذ أوائل أيّام حكمه ـ ولأوّل مرّة ـ إلى حرب لا غنيمة من ورائها ، أو أن يكون نصيبهم منها ضئيلاً لا قيمة له . وهذا ما لم يألفه الناس قبل ذلك ، ومن ثمّ لم يكونوا على استعداد لقبوله كما يبدو .
لقد كان اقتران الحرب بالغنيمة أمراً ذا مغزى للجمهور الذي يعيش في ذلك العصر . وعندما ننظر إلى القاعدة الشعبيّة التي رافقت الإمام عليه السلام في حروبه وشهرت السيف معه ضدّ أصحاب الفتنة ، نجدها في الغالب غير متحلّية بالبصيرة ، ولا ملتمسة منار الحقّ ، بحيث يكون الحقّ هو هدفها في إشهار السيف ، ورضا اللّه هو الغاية القصوى التي تتمنّاها من القتال ، بل كان الجمّ الغفير من هؤلاء يفكّر بمنافعه

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۷۳ .

2.راجع : ج ۳ ص ۱۳۲ (التباس الأمر على من لا بصيرة له) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149658
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي