573
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

يعرّفها للاُمّة بوصفها المثال البارز للاعتدال والوسطيّة ۱ . وقد أشار الأئمّة عليهم السلامإلى منزلة أهل البيت ومكانتهم ، من ذلك دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في الصلوات الشعبانيّة ، حيث جاء فيها :
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ الفُلكِ الجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ ؛ يَأمَنُ مَن رَكِبَها ، ويَغرَقُ مَن تَرَكَها ، المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ ، وَالمُتَأَخِّرُ عَنهُم زاهِقٌ ، وَاللّازِمُ لَهُم لاحِقٌ ۲ .
وهكذا نبّه أئمّة الدين الناسَ على لزوم الاعتدال في الفكر والحياة ، وأكّدوا ذلك . ويمكننا أن نُدرك من هذا كلّه أنّ الخروج عن جادّة الاعتدال ، والسقوط في حضيض الإفراط والتطرّف لا يستتبع إلّا الشذوذ ، وربّما الانجراف مع تيّار الفساد .
ومثّل الخوارج ـ في نطاق الثقافة الإسلاميّة ـ تيّارا متطرّفا ذا مواقف حادّة متشنّجة بعيدة عن الاعتدال ، ونُعتوا في الأحاديث النبويّة بصفة «التعمّق» :
«إنَّ أقواما يَتَعَمَّقونَ فِي الدّينِ يَمرُقونَ كَما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» .
ونتناول هذا الاصطلاح فيما يأتي بإيجاز قبل أن نتحدّث عن جذور تيّار الخوارج :

1.راجع : كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة» .

2.مصباح المتهجّد : ص۳۶۱ ح۴۸۵ عن الإمام الصادق عليه السلام و ص۸۲۸ ح۸۸۸ ، الإقبال : ج۳ ص۳۰۰ كلاهما عن مجاهد ، المزار الكبير : ص۴۰۱ ح۱ عن العبّاس بن مجاهد ، بحار الأنوار : ج۹۰ ص۲۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
572

الدين والاعتدال

الإسلام دينٌ وَسَط ۱ ، وتعاليمه زاخرة بالتأكيد على الاعتدال ، وبالنظرة الشموليّة المستوعبة ، وبضرورة الابتعاد عن الإفراط ، والنظرة الضيّقة الاُحاديّة الجانب إلى الاُمور .
ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ الذي كان يعرض الإسلام بوصفه منهاجا للتكامل المادّي والمعنوي ويؤكّد شموليّته وكماله في استيعابه المصالح الفرديّة والاجتماعيّة ـ كان يرى الإفراط والنظرة الاُحاديّة الجانب أكبر خطر على اُمّته ودينه . ولم يزل ينبّه على هذه الحقيقة طيلة عمره المبارك ، فقد كان صلى الله عليه و آله يقول :
«لا يَقومُ بِدينِ اللّهِ إلّا مَن حاطَهُ مِن جَميعِ جَوانِبِهِ» ۲ .
وكان صلى الله عليه و آله يرى أنّ الذين يحملون النظرة الشموليّة المستوعبة للدين ، ويُحيطون بجميع التعاليم الدينيّة في مجال الفكر ، والقول ، والتكامل الفردي والاجتماعي هم وحدهم الذين تُثمر جهودهم في نصرة الدين ، وكان يحرص على تعليم ذلك لاُمّته . ومن هنا كان صلى الله عليه و آله يقول :
«إنَّ دينَ اللّهِ عَزَّوجَلَّ لَن يَنصُرَهُ إلّا مَن حاطَهُ مِن جَميعِ جَوانِبِهِ» ۳ .
ورسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ إلى جوار ما كانت تعيشه الاُمّة من تعاليم سيرته الوضّاءة التي يُتحفها بها من أجل هدايتها واستقامتها على الطريقة ، وجعلها الاُمّة الوسط ـ كان يدلّ على القدوة في هذا المجال ، ويؤكّد تمسّك المسلمين بسيرة العترة التي كان

1.قال تبارك وتعالى : «وَكَذلِكَ جَعَلْنَـكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» (البقرة : ۱۴۳) .

2.كنز العمّال : ج۳ ص۸۴ ح۵۶۱۲ نقلاً عن أبي نعيم ؛ شرح الأخبار : ج۲ ص۳۸۹ .

3.الفردوس : ج۱ ص۲۳۴ ح۸۹۷ عن ابن عبّاس ، كنز العمّال : ج۱۰ ص۱۷۱ ح۲۸۸۸۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149194
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي