363
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

أهداف معاوية في حرب الدّعاية وحكمة أجوبة الإمام

تأمُّل الرسائل التي تبودلت بين الإمام ومعاوية أثناء الحرب الدعائيّة ، وما ينطوي عليه جواب معاوية من جرأة ووقاحة ؛ يفضي بالباحث إلى السؤال التالي : لماذا فتح الإمام باب المكاتبة وتبادل الكتب مع شخص مثل معاوية ؟ أ لم يكن الأفضل أن يهمل الإمام جواب معاوية ليكون بمنأى عن كلّ ذلك التعريض والبذاءة ؟
يكتب ابن أبي الحديد بعد نقل شطر من الكتب التي جرت بين الإمام ومعاوية ، ما نصّه : «قُلتُ : وأعجَبُ وأطرَبُ ما جاءَ بِهِ الدَّهرُ ـ وإن كانَت عَجائِبُهُ وبَدائِعُهُ جَمَّةً ـ أن يُفضِيَ أمرُ عَلِيٍّ عليه السلام إلى أن يَصيرَ مُعاوِيَةُ نِدّاً لَهُ ونَظيراً مُماثِلاً ، يَتَعارَضانِ الكِتابَ وَالجَوابَ ، ويَتَساوَيانِ فيما يُواجِهُ بِهِ أحَدُهُما صاحِبَهُ ، ولا يَقولُ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام كَلِمَةً إلّا قالَ مِثلَها ، وأخشَنَ مَسّاً مِنها ، فَلَيتَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله كانَ شاهِدَ ذلِكَ ! لِيَرى عِياناً لا خَبَراً أنَّ الدَّعوَةَ الَّتي قامَ بِها ، وقاسى أعظَمَ المَشاقِّ في تَحَمُّلِها ، وكابَدَ الأَهوالَ فِي الذَّبِّ عَنها ، وضَرَبَ بِالسُّيوفِ عَلَيها لِتَأييدِ دَولَتِها ، وشَيَّدَ أركانَها ، ومَلَأَ الآفاقَ بِها ، خَلَصَت صَفواً عَفواً لِأَعدائِهِ الَّذينَ كَذَّبوهُ ، لَمّا دَعا إلَيها ، وأخرَجوهُ عَن أوطانِهِ لَمّا حَضَّ عَلَيها ، وأدمَوا وَجهَهُ ، وقَتَلوا عَمَّهُ وأهلَهُ ، فَكَأَنَّهُ كانَ يَسعى لَهُم ، ويَدأَبُ لِراحَتِهِم ؛ كَما قالَ أبو سُفيانَ في أيّامِ عُثمانَ ، وقَد مَرَّ بِقَبرِ حَمزَةَ ، وضَرَبَهُ بِرِجلِهِ،


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
362

۲۴۰۱.الأمالي للطوسي عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني :كَتَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ تَعالى أنزَلَ إلَينا كِتابَهُ ، ولَم يَدَعنا في شُبهَةٍ ولا عُذرَ لِمَن رَكِبَ ذَنباً بِجَهالَةٍ ، وَالتَّوبَةُ مَبسوطَةٌ «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»۱ وأنتَ مِمَّن شَرَعَ الخِلافَ مُتمادِياً في غِرَّةِ الأَمَلِ مُختَلِفَ السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ، رَغبَةً فِي العاجِلِ ، وتَكذيباً بَعدُ بِالآجِلِ ، وكَأَنَّكَ قَد تَذَكَّرتَ ما مَضى مِنكَ ، فَلَم تَجِد إلَى الرُّجوعِ سَبيلاً ۲ .

4 / 16

نَقدُ الإِمامِ رَأيَهُ وفِراسَتَهُ في مُكاتَبَةِ مُعاوِيَةَ

۲۴۰۲.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ ـ: أمّا بَعدُ ؛ فَإِنّي عَلَى التَّرَدُّدِ في جَوابِكَ ، وَالاِستِماعِ إلى كِتابِكَ ؛ لَمُوَهِّنٌ رَأيي ، ومُخَطِّئٌ فِراسَتي . وإنَّكَ إذ تُحاوِلُنِي الاُمورَ ، وتُراجِعُنِي السُّطورَ ، كَالمُستَثقِلِ النّائِمِ ؛ تَكذِبُهُ أحلامُهُ . وَالمُتَحَيِّرِ القائِمِ يَبهَظُهُ مَقامُهُ . لا يَدري أ لَهُ ما يَأتي أم عَلَيهِ ، ولَستَ بِهِ ، غَيرَ أنَّهُ بِكَ شَبيهٌ .
واُقسِمُ بِاللّهِ إنَّهُ لَولا بَعضُ الاِستِبقاءِ ، لَوَصَلَت إلَيكَ مِنّي قَوارِعُ تَقرَعُ العَظمَ ، وتَهلِسُ اللَّحمَ ! وَاعلَم أنَّ الشَّيطانَ قَد ثَبَّطَكَ عَن أن تُراجِعَ أحسَنَ اُمورِكَ ، وتَأذَنَ لِمَقالِ نَصيحَتِكَ ، وَالسَّلامُ لِأَهلِهِ ۳ .

1.الأنعام : ۱۶۴ .

2.الأمالي للطوسي : ص۲۱۷ ح۳۸۱ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۷۵ ح۳۹۹ ؛ المعيار والموازنة : ص۱۰۲ نحوه .

3.نهج البلاغة : الكتاب ۷۳ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۱۲۱ ح۴۱۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149077
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي