335
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

الفصل الرابع : حرب الدعاية

4 / 1

كِتابُ الإِمامِ إلى مُعاوِيَةَ يَعِظُهُ فيهِ

۲۳۷۷.شرح نهج البلاغةـ في ذِكرِ بَعضِ ما دارَ بَينَ عَلِيٍّ عليه السلام ومُعاوِيَةَ مِنَ الكُتُبِ ، وأوَّلُ هذَا الكِتابِ ـ: مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ الدُّنيا دارُ تِجارَةٍ ، ورِبحُها أو خُسرُهَا الآخِرَةُ ؛ فَالسَّعيدُ مَن كانَت بِضاعَتُهُ فيهَا الأَعمالَ الصّالِحَةَ ، ومَن رَأَى الدُّنيا بِعَينِها وقَدَّرَها بِقَدرِها . وإنّي لَأَعِظُكَ مَعَ عِلمي بِسابِقِ العِلمِ فيكَ مِمّا لا مَرَدَّ لَهُ دونَ نَفاذِهِ ؛ ولكِنَّ اللّهَ تَعالى أخَذَ عَلَى العُلَماءِ أن يُؤَدُّوا الأَمانَةَ وأن يَنصَحُوا الغَوِيَّ وَالرَّشيدَ ، فَاتَّقِ اللّهَ ولا تَكُن مِمَّن لا يَرجو للّهِِ وَقاراً ، ومَن حَقَّت عَلَيهِ كَلِمَةُ العَذابِ فَإِنَّ اللّهَ بِالمِرصادِ . وإنَّ دُنياكَ سَتُدبِرُ عَنكَ وسَتَعودُ حَسرَةً عَليكَ ، فَأَقلِع عَمّا أنتَ عَلَيهِ مِنَ الغَيِّ وَالضَّلالِ عَلى كِبَرِ سِنِّكَ وفَناءِ عُمُرِكَ ؛ فَإِنَّ حالَكَ اليَومَ كَحالِ الثَّوبِ المَهيلِ الَّذي لا يَصلُحُ مِن جانِبٍ إلّا فَسَدَ مِن آخَرَ ، وأردَيتَ جيلاً مِنَ النّاسِ كَثيراً خَدَعتَهُم بِغَيِّكَ ، وألقَيتَهُم في مَوجِ بَحرِكَ تَغشاهُمُ الظُّلُماتُ وتَتَلاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهاتُ ، فَجاروا عَن وِجهَتِهِم ، ونَكَصوا عَلى أعقابِهِم ، وتَوَلَّوا عَلى أدبارِهِم ، وعَوَّلوا عَلى أحسابِهِم ، إلّا مَن فاءَ مِن أهلِ البَصائِر


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
334

النُّهوضِ في قِتالِ أهلِ الفُرقَةِ وقالَ :
إنَّ اللّهَ عَزَّوجَلَّ بَعَثَ رَسولاً هادِياً مَهدِيّاً بِكِتابٍ ناطِقٍ وأمَرٍ قائِمٍ واضِحٍ لا يَهلِكُ عَنهُ إلّا هالِكٌ ، وإنَّ المُبتَدَعاتِ وَالشُّبُهاتِ هُنَّ المُهلِكاتُ إلّا مَن حَفِظَ اللّهُ ، وإنَّ في سُلطانِ اللّهِ عِصمَةَ أمرِكُم ، فَأَعطوهُ طاعَتَكُم غَيرَ مَلوِيَّةٍ ولا مُستَكرَهٍ بِها ، وَاللّهِ لتَفعَلُنَّ أو لَيَنَقَلَنَّ اللّهُ عَنكُم سُلطانَ الإِسلامِ ثُمَّ لا يَنقُلُهُ إلَيكم أبَداً حَتّى يَأرِزَ الأَمرُ إلَيها ، اِنهَضوا إلى هؤُلاءِ القَومِ الَّذينَ يُريدونَ يُفَرِّقونَ جَماعَتَكُم ، لَعَلَّ اللّهَ يُصلِحُ بِكُم ما أفسَدَ أهلُ الآفاقِ وتَقضونَ الَّذي عَلَيكُم .
فَبَينا هُم كَذلِكَ إذ جاءَ الخَبَرُ عَن أهلِ مَكَّةَ بِنَحوٍ آخَرَ وتَمامٍ عَلى خِلافٍ ، فَقامَ فيهِم بِذلِكَ فَقالَ :
إنَّ اللّهَ عَزَّوجَلَّ جَعَلَ لِظالِمِ هذِهِ الأُمَّةِ العَفوَ وَالمَغفِرَةَ ، وجَعَلَ لِمَن لَزِمَ الأَمرَ وَاستَقامَ الفَوزَ وَالنَّجاةَ ، فَمَن لَم يَسَعهُ الحَقُّ أخَذَ بِالباطِلِ ، ألا وإنَّ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ واُمَّ المُؤمِنينَ قَد تَمالَؤوا عَلى سُخطِ إمارَتي ، ودَعَوُا النّاسَ إلَى الإِصلاحِ ، وسَأَصبِرُ ما لَم أخَف عَلى جَماعَتِكُم ، وأكُفُّ إن كَفّوا ، وأقتَصِرُ عَلى ما بَلَغَني عَنهُم .
ثُمَّ أتاهُ أنَّهُم يُريدونَ البَصرَةَ لِمُشاهَدَةِ النّاسِ وِالإِصلاحِ ، فَتَعَبّى لِلخُروجِ إلَيهِم وقالَ :
إن فَعَلوا هذا فَقَدِ انقَطَعَ نِظامُ المُسلِمينَ ، وما كانَ عَلَيهِم فِي المُقامِ فينا مَؤونَةٌ ولا إكراهٌ . فَاشتَدَّ عَلى أهلِ المَدينَةِ الأَمرُ فَتَثاقَلوا ۱ .

1.تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۴۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 149139
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي