287
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

سياساته على هذا الصعيد بشكل مقتضب وعامّ ، وهو يقول : «إعلَمُوا أنّي إن أَجَبتُكُم رَكِبتُ بِكُم ما أعلَم ، وَلَم اُصغِ إلى قَولِ القائِلِ ، وَعَتبِ العاتِبِ» ۱ .
وفي ثاني أيّام خلافته اعتلى المنبر ، ثمّ راح يُصرّح بما كان قد أشار إليه في اليوم السابق ، وهو يقول : «ألا إنَّ كُلَّ قَطِيعَةٍ أقطَعَها عُثمان ، وَكُلَّ مالٍ أعطَاهُ مِن مالِ اللّهِ فَهوَ مَردُودٌ في بَيتِ المالِ ؛ فإنَّ الحَقَّ القَديمَ لا يُبطِلُهُ شَيءٌ ، ولَو وَجَدتُه وَقَد تُزُوِّجَ بِهِ النِساء وَفُرِّقَ فِي البُلدانِ ، لَرَدَدتُهُ إلى حالِهِ ؛ فإنَّ في العَدلِ سِعَةً ، وَمَن ضاقَ عَلَيهِ العَدلُ فَالجُور عَلَيهِ أضيَقُ» .
لقد تحدَّث الإمام بإسهاب في خطاب تفصيليّ ألقاه في ذلك اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع في بسط العدالة الاجتماعيّة ، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحدٍ ـ دون استثناء ـ من استغلال المال العامّ ، وأنّ اُولئك الَّذين راكموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا ـ عن هذا الطريق ـ على الأراضي الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجواري الحسان ، سيعمد علي إلى مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلى بيت المال .
كان هذا الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام بمنزلة الصاعقة الَّتي نزلت على رؤوس من يعنيهم الأمر ، حيث راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد في معارضة شخصيّات معروفة لحكم الإمام .
وفي اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا النّاس إلى استلام أعطياتهم من بيت المال ، حيث أمر عليه السلام كاتبه عبيد اللّه بن أبي رافع أن يسير على النهج التالي : «اِبدَأ بِالمُهاجِرينَ فَنادِهِم وَأعطِ كُلَّ رَجُلٍ مِمَّن حَضَرَ ثَلاثَةَ دَنانِير ، ثُمَّ ثَنِّ بِالأنصارِ فَافعَل مَعَهُم مِثلَ ذلِكَ ، ومَن حَضَرَ مِنَ النّاسِ كُلّهِم الأحمَرَ والأسوَدَ فَاصنَع بِهِ مِثلَ ذلِكَ» .

1.العناوين الَّتي أشرنا ونشير إليها هنا سيرد ذكرها بالتفصيل لاحقاً .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
286

من جهة اُخرى كان الإمام يعلم جيّداً بأنّ الطريق الجديد والإعلان عن نهج الإصلاح العلوي الَّذي هو نفسه الإصلاح المحمّدي ، لا يتّسق مع مزاج المجتمع في ظلّ الأوضاع السياسيّة الَّتي كانت سائدة ، وبحسب قوله عليه السلام : «لا تَقُومُ لَهُ القُلُوبُ ، ولا تَثبُتُ عَلَيهِ العُقُولُ» ، حيث تستتبع عمليّة مواجهة الانحرافات ، ومكافحة الاعوجاج كثيراً من الاضطرابات السياسيّة .
من هذه الزاوية كانت عمليّة الإصلاح السياسي والاجتماعي الشامل بحاجة إلى إعداد وتخطيط عميق جدّاً ومحسوب .

سياسة الإمام في مواجهة الانحراف

لم يتعامل الإمام عليه السلام مع الانحرافات الموجودة بعجلة ؛ لأنّ التعاطي مرّة واحدة وبشكل مباشر مع جميع الانحرافات الَّتي كان المجتمع قد اعتاد عليها خلال سنوات ، يجرّ إلى عدم الرضا العامّ ، ويُفضي إلى الفرقة وضعف بنيان الحكم ، بل ولجَ الإمام هذه الدائرة على أساس برنامج تمّ الإعداد له جيّداً ، فقسَّم الإصلاحات الَّتي ينبغي أن تضطلع بها حكومته إلى قسمين ، هما :
1 ـ مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي .
2 ـ مواجهة الانحرافات الثقافيّة .

سياسة الإصلاح الإداري والاقتصادي

لقد انطلقت سياسة الإصلاح العلوي في مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي منذ الأيّام الاُولى لعهد الإمام السياسي ، فعزَل الولاة غير الأكفّاء ، وأعاد الأموال العامّة إلى بيت المال .
لقد أشار الإمام منذ يوم البيعة الأوّل إلى نهجه الاُصولي في الإصلاح ، ونبَّه إلى

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 167425
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي