الف رجل لنصرته . ولكن ياتُرى لماذا لم يفعل ذلك ؟
ومن السذاجة أن ينسب المرء حادثة بمثل هذه السعة إلى مجهول أو إلى تيّار عابر . فالتأمّل في التساؤلات المذكورة والغور في أعماق النصوص والمصادر من أجل العثور على إجابات عنها ينتهي بالباحث في تاريخ الإسلام إلى الاهتداء إلى مسائل ونكات أعمق ممّا طرحه أصحاب الرؤى الساذجة وسعوا إلى إظهاره وكأنّه حقائق ثابتة .
ويمكن القول باختصار بأنّ ثورة المسلمين على عثمان تعود في جذورها إلى أعمال عثمان والمحيطين به . ويمكن التنقيب في هذه المسألة بشكل أعمق .
فقد كان عثمان من أشراف مكّة ، وكان أقرباؤه بنو اُميّة من ألدّ أعداء الإسلام . فقد كانوا من قادة رؤوس الكفر الَّذين حاربوا الإسلام ، ولم يدخلوا فيه حتّى رأوا سيفه مصلَتاً على رؤوسهم ، فاُرغموا على الاستسلام أثناء فتح مكّة ، واُطلقوا على أساس الرأفة الإلهيّة ؛ إذ عفا عنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصاروا يعرفون من بعد ذلك باسم «الطُّلَقاء» . وهكذا فإنّهم لم تكن لهم وجاهة دينيّة ، ولا مركز اجتماعي .
وإذا ألقينا نظرة أكثر عمقاً على سلوك عثمان نلاحظ ما يأتي :
1 ـ إدناؤه الطُّلَقاء
لما تسلّم عثمان الخلافة أدنى أقاربه ـ الطُّلَقاء ـ واتّخذ منهم بطانة وأعواناً مع أنّ بعضهم كان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما هو الحال بالنسبة للحَكَم وابنيه مروان والحارث ؛ وأصبح مروان ـ طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ في عهد خليفة المسلمين عثمان ، كاتباً خاصّاً للخليفة ! وأصبحت رئاسة السوق بيد الحارث ! وبذلك هيمنوا على شؤون السياسة والاقتصاد دفعة واحدة .