253
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

الف رجل لنصرته . ولكن ياتُرى لماذا لم يفعل ذلك ؟
ومن السذاجة أن ينسب المرء حادثة بمثل هذه السعة إلى مجهول أو إلى تيّار عابر . فالتأمّل في التساؤلات المذكورة والغور في أعماق النصوص والمصادر من أجل العثور على إجابات عنها ينتهي بالباحث في تاريخ الإسلام إلى الاهتداء إلى مسائل ونكات أعمق ممّا طرحه أصحاب الرؤى الساذجة وسعوا إلى إظهاره وكأنّه حقائق ثابتة .
ويمكن القول باختصار بأنّ ثورة المسلمين على عثمان تعود في جذورها إلى أعمال عثمان والمحيطين به . ويمكن التنقيب في هذه المسألة بشكل أعمق .
فقد كان عثمان من أشراف مكّة ، وكان أقرباؤه بنو اُميّة من ألدّ أعداء الإسلام . فقد كانوا من قادة رؤوس الكفر الَّذين حاربوا الإسلام ، ولم يدخلوا فيه حتّى رأوا سيفه مصلَتاً على رؤوسهم ، فاُرغموا على الاستسلام أثناء فتح مكّة ، واُطلقوا على أساس الرأفة الإلهيّة ؛ إذ عفا عنهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وصاروا يعرفون من بعد ذلك باسم «الطُّلَقاء» . وهكذا فإنّهم لم تكن لهم وجاهة دينيّة ، ولا مركز اجتماعي .
وإذا ألقينا نظرة أكثر عمقاً على سلوك عثمان نلاحظ ما يأتي :

1 ـ إدناؤه الطُّلَقاء

لما تسلّم عثمان الخلافة أدنى أقاربه ـ الطُّلَقاء ـ واتّخذ منهم بطانة وأعواناً مع أنّ بعضهم كان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما هو الحال بالنسبة للحَكَم وابنيه مروان والحارث ؛ وأصبح مروان ـ طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ في عهد خليفة المسلمين عثمان ، كاتباً خاصّاً للخليفة ! وأصبحت رئاسة السوق بيد الحارث ! وبذلك هيمنوا على شؤون السياسة والاقتصاد دفعة واحدة .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
252

تحليل لأسباب الثورة على عثمان

تمخّضت الشورى الَّتي عيّنها الخليفة الثاني عن اختيار عثمان خليفة للمسلمين الَّذي امتاز عهد خلافته وخاصّة السنوات الأخيرة منه بأهمّية استثنائيّة . فقبل ذلك عاش المجتمع الإسلامي حالة من الاستقرار في عهد خلافة الخليفة الثاني . وأكثر ما يُعزى هذا الاستقرار إلى غلظته الممزوجة بالاستبداد . فتحوّل ذلك المجتمع الهادئ بين ليلة وضحاها إلى مجتمع يموج بالاضطراب ويعجّ بالاعتراضات ضدّ الخليفة . فكيف تبلورت هذه القضيّة ؟ ومن أين نشأت تلك الاضطرابات والاحتجاجات الموجّهة ضدّ الخليفة ؟ وممّا لا ريب فيه إنّ النّاس الَّذين اجتمعوا في المدينة من مختلف الأمصار للتظلّم لدى الخليفة لم يكونوا يمثّلون فئة خاصّة ولا ولاية أو مدينة بعينها ،
بل كانوا من مختلف بقاع العالم الإسلامي. فيا ترى ما هي أسباب هذه الثورة ؟ وكيف يُحاصَر خليفة المسلمين ـ الَّذي كانت له صلة قربى مع الرسول صلى الله عليه و آله ـ ولا يهبّ أحد لنجدته ؟ !
لقد طال الحصار ولم يأتِ أحد لمناصرته من خارج المدينة . وحتّى استنجاده بمعاوية ـ الَّذي اتّخذ من قضيّة المطالبة بدمه ذريعة لتحقيق مآربه ـ بقي بلا طائل .
فمعاوية الَّذي جنّد في حرب صفّين جيشاً قوامه مئة ألف ، لم يرسل ولا حتّى

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 167289
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي