353
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

بَلى نَشهَدُ بِذلِكَ . قالَ : اللّهُمَّ اشهَد ، ثُمَّ قال : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ اللّهَ مَولايَ ، وأنَا مَولَى المُؤمِنينَ ، وأنَا أولى بِهِم من أنفُسِهِم ؛ مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا مَولاهُ ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ وعادِ مَن عاداهُ .
ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنّي فَرَطُكُم وإنَّكُم وارِدونَ عَلَىَّ الحَوضَ ، حَوضٌ أعرَضُ مِمّا بَينَ بُصرى وصَنعاءَ ، فيه آنِيَةٌ عَدَدَ النُّجومِ قِدحانٌ مِن فِضَّةٍ ، وإنّي سائِلُكُم حينَ تَرِدونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَينِ ، فَانظُروا كَيفَ تَخلُفوني فيهِما ؛ الثَّقَلُ الأَكبَرُ كِتابُ اللّهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللّهِ وطَرَفٌ بِأَيديكُم ، فَاستَمسِكوا بِهِ لا تَضِلّوا ولا تُبَدِّلوا ، وعِترَتي أهلُ بَيتي ؛ فَإِنَّهُ قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أ نَّهُما لَن يَفتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ» ۱ .
إنّ نسق بيان الخطبة ليدلّ على أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله راح بادئ الأمر يهيّئ القلوب ويعدّها ، ويدفع بالأفكار إلى التأمّل ، ويحثّ الآذان على الانتباه والإصغاء ، حتى تنفتح بصائر القلوب ، فيملأ الأفئدة إيماناً ، وتستوطن كلماته النديّة الشجيّة الأعماق ، ذلك كلّه لكي لا ينقلب أحد من الناس في الغد وما بعد الغد إلى إنكار ما سمع من خطاب الرسول إلّا أن يكون ذلك عن ضلالة وعمى ، وعن عناد أمام الحقّ الصراح .
تحدّث النبيّ صراحة بأنّ ساعة الرحيل قد أوشكت ، وما أقرب أن يُودّع الاُمّة إلى الرفيق الأعلى ؛ كي يحفّز بذلك الأذهان ويستحثّها للتفكير بأمر الخلافة ، ويدفعها للتأمّل في الصيغة التي تستمرّ فيها القيادة من بعده .
لقد جاءت كلمات النبيّ صلى الله عليه و آله : «إنّي مسؤول ، وأنتم مسؤولون» لتلقي شحنة مركّزة وقويّة على المسؤوليّة العامّة الملقاة على عاتق الجميع ، وكأنّه صلى الله عليه و آله يقول : أنا مسؤول أن أصدع بالحقّ وأهتف بالحقيقة كما هي ، وأنتم مسؤولون أن تُصغوا

1.البداية والنهاية : ج۷ ص۳۴۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
352

النبيّ الخشية والتوجّس ، كما لا يستتبع من الآخرين المعارضة والعناد .
إنّه لأمر غريب ما ذهب إليه عدد من المفسّرين ! فعندما عجز هؤلاء عن رؤية الحقيقة ـ أو لم تكن لهم رغبة برؤيتها ـ تراهم جنحوا لمزاعم واهية وأقوال لا نصيب لها من الصواب .
إنّ أهمّية الآيتين وتحديد زمن نزولهما ، يدفعنا إلى تخصيص بحث مستقلّ لكلّ واحدة منهما ۱ .

2 ـ محتوى الخطبة

إنّ الطريقة التي بدأ بها النبيّ صلى الله عليه و آله خطبته ، وكيفيّة إدامتها ، والطريقة التي اختار بها عرض الموضوع ، والنسق الحماسي المؤثّر الذي شاب كلمات الرسول وذلك الإيقاع المتحرّق الأخّاذ في كلماته ، كلّ ذلك لا يدع مجالاً للشكّ في أنّ الموضوع أهمّ وأخطر بكثير ممّا تصوّره البعض .
لنبقَ مع إحدى الصيغ التاريخيّة التي توفّرت على بيان النصّ ، ثمّ نتأمّل ما فيه من إيحاءات . عن حذيفة بن أسيد ، قال :
«لَمّا قَفَلَ رَسولُ اللّهِ مِن حَجَّة الوَداع نَهى أصحابَهُ عَن شَجَراتٍ بِالبَطحاءِ مُتَقارِباتٍ أن يَنزِلوا حَولَهُنَّ ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيهِم فَصَلّى تَحتَهُنَّ ، ثُمَّ قامَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! قَد نَبَّأَنِي اللَّطيفُ الخَبيرُ أ نَّهُ لَم يُعَمَّر نَبِيٌّ إلّا مَثلَ نِصفِ عُمُرِ الَّذي قَبلَهُ ، وإنّي لَأَظُنُّ أن يوشِكَ أن اُدعى فَاُجيبَ ، وإنّي مَسؤولٌ وأنتُم مَسؤولونَ ، فَمَاذا أنتُم قائِلونَ ؟قالوا : نَشهَدُ أ نَّكَ قَد بَلَّغتَ ونَصَحتَ وجَهَدتَ ، فَجَزاكَ اللّهُ خَيراً . قالَ : أ لَستُم تَشهَدونَ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ ، وأنَّ نارَهُ حَقٌّ ، وأنَّ المَوتَ حَقٌّ ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها ، وأنَّ اللّهَ يَبعَثُ مَن فِي القُبورِ ؟ قالوا :

1.راجع : ج ۱ ص ۵۲۴ (بحث حول آية التبليغ) ، و ص۵۴۰ (بحث حول آية إكمال الدين) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 157036
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي