البرکة (تفصیلی) - الصفحه 7

4 . دور نظام التكوين في تكامل الإنسان

إنّ التأمّل في ما جاء في الفصل الثاني إلى الفصل الخامس عشر من هذه المجموعة يشير إلى أنّ خالق الوجود قد أودع في نظام التكوين جميع إمكانات التكامل المادّي والمعنوي ومتطلّباتهما من الداخل والخارج ؛ من أجل تكامل الإنسان ، وأنّه قد أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة .
على أنّ ما يتداعى من الآية الكريمة : «أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً»۱ ، أنّ الإنسان وُهب من الداخل (الباطن) العقل والفطرة والقُوى الباطنية ، وزُوّد من الخارج بالوحي الذي جاء مُعينا للعقل والفطرة ، وأنّ نظام التكوين سخّر للإنسان ما في السماء والأرض لكي يقطع المسار الذي حدّدته «الفطرة» و«العقل» و«الوحي» له ، وليستفيد من بركات ذلك كلّه ، ويوظّفه لتحقيق تكامله وبلوغ مقصد الإنسانية والكمال المطلق ولقاء اللّه جلّ جلاله.
يتّضح ممّا مرّ أنّ جميع القيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية ، وكل ما هو مسخّر للإنسان في الأرض والسماء ، ينطوي على «الخير» و«البركة» . وإذا ما جاء في النصوص الإسلامية ما يصف عددا من ضروب الأخلاق والأعمال الصالحة بأنّها خير ، وإذا ما سجّلت تلك النصوص بأنّ بعض الأمكنة والأزمنة والحيوانات والنباتات والأطعمة والأشربة تتّسم بالبركة ، فإنّ ذلك كلّه لا يعني نفي البركة عمّا سواها من الخصال الحسنة والأعمال الصالحة أو نزعها عن بقيّة الأمكنة والأزمنة وما إلى ذلك ، بل المقصود أنّ هذه تحظى بالبركة أكثر ممّا سواها .

1.لقمان : ۲۰ .

الصفحه من 156