اللّه عز و جل (تفصیلی) - الصفحه 116

فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات؟
الجواب هو أنّ هذه الأحاديث تعبّر عن التأثير المتبادل لمعرفة اللّه ومعرفة أهل البيت ، فمن جهةٍ معرفة النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته ـ كما جاء في الحديث أعلاه ـ فرع معرفة اللّه ، ذلك أنّ النبوّة لا تكتسب معناها إلّا بعد إثبات وجود اللّه ، ومن جهةٍ اُخرى ، ما لم يَدْعُ الأنبياءُ النّاس إلى معرفة اللّه ، وما لم يهيّئوا أرضيّة التفكّر في براهين التوحيد بين ظهراني النّاس ، لا يتوجّه أحد صوب معرفة اللّه عز و جل ، حينئذٍ ـ كما بيّنا ـ ولا يتسنّى نيلُ الدرجات العليا من معرفة اللّه إلّا عن طريق تعليمات النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام وإرشاداتهم .
على هذا الأساس لا تعارض بين الطائفتين من الروايات المشار إليها ، أي في البداية يدعو الأنبياء وأوصياؤهم النّاس إلى معرفة اللّه على أساس البرهان ، وبعد أن عرفوا اللّه سبحانه تدعوهم عقولهم إلى اتّباع رسل اللّه والقادة الربّانيّين ، ويمهّد أئمّة الدين الأرضيّة لتعالي الإنسان وبلوغ الدرجات العليا من مراتب معرفة اللّه .

رابعا : الاستعانة باللّه عز و جل

إنّ التعليم الرابع في السلوك إلى اللّه هو بالتضرّع إليه ـ جلّ شأنه ـ والاستعانة به . وللدعاء في إيصال السالك إلى الهدف طريقيّة وموضوعيّة ، وتعود طريقيّته إلى أنّه مصدر توفيق للإنسان للقيام بسائر برامج السلوك ، أمّا موضوعيّته فتؤول إلى أنّه لُبُّ العبادة 1 .
بل يمكن أن نقول : إذا تحقّقت شروط الدعاء فإنّه من أقرب طرق الوصول إلى الهدف ، بل هو نفسه الطريق الأقرب إلى ذلك ، كما قال تعالى :
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ

1.كما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الدعاء مخّ العبادة» ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۳۰۰ .

الصفحه من 247