ومحصّل الآيتين تفسير الظلم بالإعراض عن دين اللَّه وطلبه عوجاً ومحرّفاً ، وينطبق على ما يظهر من الآية التي نحن فيها .
قوله تعالى : (قالُوا فِيمَ كُنْتُم) أي في ماذا كنتم من الدين ، وكلمة «مَ» هي ما الاستفهاميّة حذفت عنها الألف تخفيفاً .
وفي الآية دلالة في الجملة على ما تسمّيه الأخبار بسؤال القبر ، وهو سؤال الملائكة عن دين الميّت بعد حلول الموت ، كما يدلّ عليه أيضاً قوله تعالى : (الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِم فألْقَوا السَّلَمَ ما كُنّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلى إنّ اللَّهَ عَليمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ * فادْخُلوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فيها فلَبِئْسَ مَثْوَى المُتَكبِّرِينَ * وقِيلَ لِلّذِينَ اتَّقَوا ماذا أنْزَلَ رَبُّكُم قالُوا خَيْراً ...)۱الآيات .
قوله تعالى : (قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفينَ في الأرضِ قالوا ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فتُهاجِروا فِيها) كان سؤال الملائكة (فيمَ كُنْتُم)سؤالاً عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين ، ولم يكن هؤلاء المسؤولون على حال يعتدّ به من جهة الدين ، فأجابوا بوضع السبب موضع المسبّب وهو أنّهم كانوا يعيشون في أرض لا يتمكّنون فيها من التلبّس بالدين ؛ لكون أهل الأرض مشركين أقوياء فاستضعفوهم ، فحالوا بينهم وبين الأخذ بشرائع الدين والعمل بها .۲
قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنوا إنَّ أرْضِي واسِعَةً فإيّايَ فاعبُدونِ) توجيه للخطاب إلَى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون علَى التظاهر بالدين الحقّ والاستنان بسنّته ، ويدلّ على ذلك ذيل الآية .
وقوله : (إنّ أرْضِي واسِعَةٌ) الذي يظهر من السياق أنّ المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها ، وإضافتها إلى ضمير التكلّم للإشارة إلى أنّ جميع الأرض لا فرق عنده في
1.النحل : ۲۸ - ۳۰ .
2.الميزان في تفسير القرآن : ۵ / ۴۸ .