النفس - الصفحه 29

كلام في تهذيب النفس :

قال العلّامة الطباطبائي : «اعلم أنّ إصلاح أخلاق النفس ومَلَكاتها في جانبَي العلم والعمل ، واكتساب الأخلاق الفاضلة، وإزالة الأخلاق الرذيلة ، إنّما هو بتكرار الأعمال الصالحة المناسبة لها ومزاولتها ، والمداومة عليها ، حتّى‏ تثبت في النفس من الموارد الجزئيّة علومٌ جزئيّة وتتراكم وتنتقش في‏النفس انتقاشاً متعذّر الزوال أو متعسّرها ، مثلاً : إذا أراد الإنسان إزالة صفة الجبن واقتناء مَلَكة الشجاعة كان عليه أن يكرّر الورود في الشدائد والمهاول التي تزلزل القلوب وتقلقل الأحشاء . وكلّما ورد في مورد منها وشاهد أنّه كان يمكنه الورود فيه وأدرك لذّة الإقدام وشناعة الفرار والتحذّر، انتقشت نفسه بذلك انتقاشاً بعد انتقاش حتّى‏ تثبت فيها ملكة الشجاعة . وحصول هذه الملكة العلميّة وإن لم يكن في نفسه بالاختيار لكنّه بالمقدّمات الموصلة إليه - كما عرفت - اختياريّ كسبيّ .
إذا عرفت ما ذكرناه علمت أنّ الطريق إلى‏ تهذيب الأخلاق واكتساب الفاضلة منها أحد مسلكَين :
المسلك الأوّل : تهذيبها بالغايات الصالحة الدنيويّة ، والعلوم والآراء المحمودة عند الناس ، كما يقال : إنّ العفّة وقناعة الإنسان بما عنده والكفّ عمّا عند الناس توجب العزّة والعظمة في أعين الناس والجاه عند العامّة ، وإنّ الشره يوجب الخصاصة والفقر ، وإنّ الطمع يوجب ذلّة النفس المنيعة ، وإنّ العلم يوجب إقبال العامّة والعزّة والوجاهة والاُنس عند الخاصّة ، وإنّ العلم بصرٌ يتّقي به الإنسان كلّ مكروه ، ويدرك كلّ محبوب ، وإنّ الجهل عمى‏ ، وإنّ العلم يحفظك وأنت تحفظ المال ، وإنّ الشجاعة ثبات يمنع النفس عن التلوّن والحمد من الناس على‏ أيّ تقدير سواءٌ غلب الإنسان أو غلب عليه بخلاف الجبن والتهوّر ، وإنّ

الصفحه من 42